للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن العجيبِ أنْ يقعَ في هذا المزلق بعضُ المحققين مِنْ أهلِ العلمِ (١).

ويحكي أبو شامةَ المقدسي حالةَ بعضِ متعصبي الشافعية - وقد نَفَدَ صبرُه ممّا بَدَرَ منهم - إذا وقفوا على حديثٍ صحيحٍ على خلافِ مذهبِهم، قائلًا: "فيقول المتحذلقُ منهم المتصدّرُ في منصبٍ لا يستحقه: أَمَا كانَ هؤلاءِ الأئمة يعرفون هذا الحديثَ الصحيحَ الواردَ على خلافِ نصِّهم؟ ! " (٢).

ويقولُ عنهم في موضعٍ آخر: "إذا نُسِبَ إلى بعضِ المتأخرين أنَّه خَفَي عليه شيءٌ مِن السنةِ: أَنِفَ ذلك المقلِّدُ المتعصبُ المتصعّبُ مِنْ هذا، وأَنَكَرَ، وخوّفَ وحذَّرَ، وهو غارقٌ في غيّه المنكرِ" (٣).

والغريبُ أنَّ بعضَ المتمذهبين يجوّزُ على أئمة الاجتهادِ خفاءَ شيءٍ مِن السننِ عليهم، إلا إمامَه، فلا يُسلّم بخفاءِ شيءٍ من السنةِ النبويةِ عليه (٤).

وهذا السبب (اعتقاد عدم خفاء شيءٍ من الأدلة على إمام المذهب) ناشئٌ عن السببِ الأول: (الغُلوّ في تعظيم الأئمة المجتهدين)؛ لأنَّ ثمرةَ الغلوِّ اعتقادُ عدمِ خفاءِ الأدلةِ على الإمامِ.

السبب الثالث: اتباع الهوى (٥).

إنَّ اتّباعَ الهوى مِنْ أهمِّ الأسبابِ التي تصدُّ المسلمين، وكثيرًا مِنْ أربابِ المذاهبِ عن اتباعِ الراجحِ والأخذِ بالدليلِ.


(١) فمثلًا: ذكر أبو الخطاب في: التمهيد في أصول الفقه (١/ ٢٩١) قولَ القاضي أبي يعلى في مسألة: (هل يدخل المؤنث في جمع المذكر؟ )، فقال: "وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين: لا يدخل المؤنث في ذلك، وهو الأقوى عندي، ولكن ننصر قول شيخنا"!
(٢) خطبة الكتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول (ص/ ١٤٠).
(٣) المصدر السابق (ص/ ١٤٢).
(٤) انظر: المصدر السابق (ص/ ١٤٢ - ١٤٣)، وإمام الكلام لعبد الحي اللكنوي (ص/ ٣٦).
(٥) انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (٢/ ٨٨٧)، والفوائد له (ص/ ١٦٣)، والفروع لابن مفلح =

<<  <  ج: ص:  >  >>