للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان المتمذهبُ متبعًا لهواه، فسيردُّ القولَ الراجحَ إذا بانَ له واتضحَ (١)؛ لأنَّه عاقدٌ قلبَه على الأخذِ بقولٍ معيّن (٢)، فيستدل له بأيّ دليلٍ، ولو كان خبرًا موضوعًا، ويؤولُ ما خالفه بأيّ طريقٍ، دونَ التفاتٍ أكان مذهبُه هو القول الراجح، أم لا؟

يقولُ تقيُّ الدين بنُ تيمية: "صاحبُ الهوى يُعْمِيه الهوى ويصمُّه، فلا يستحضرُ ما لله ورسولِه في ذلك، ولا يَطْلُبُه، ولا يرضى لرضا الله ورسولِه، ولا يغضبُ لغضبِ الله ورسولِه، بلْ يرضى إذا حَصَلَ ما يرضاه بهواه، ويغضبُ إذا حصَلَ ما يغضبُ له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهةُ دِيْن: أنَّ الذي يرضى له ويغضبُ له أنَّه مَن السنةِ، وهو الحقُّ، وهو الدِّينُ ... " (٣).

ويقولُ شمسُ الدينِ بنُ القيّمِ: "إنَّ اتباعَ الهوى يعمي عن الحق معرفةً وقصدًا" (٤).

ومسالكُ الهوى أكثرُ مِنْ أنْ تُحْصَرَ، وإذا أرادَ المتمذهبُ أنْ يعرفَ أوقعَ في شيءٍ منها، أم لا؟ فليفرضْ أنَّه قرأَ آية مِن القرآن الكريم، فلاحَ له منها موافقةُ قولٍ لإمامِه، وقَرَأَ آيةً أخرى، فلاحَ له منها مخالفةُ قولٍ آخر لإمامِه، أيكون نظرُه إلى الآيتين سواءً؟ لا يبالي أنْ يتبيّنَ منهما بعدَ التدبرِ صحةُ ما لاح له، أو عدمُ صحتِه.


= (٣/ ٢٢)، والإمام الشوكاني رائد عصره للدكتور حسين العمري (ص/ ٦٧)، والمذاهب الفقهية الإسلامية لمحمد تاجا (ص/ ١٨٠)، ومقدمة في أسباب اختلاف المسلمين لمحمد العبده وزميله (ص/ ٥٠ وما بعدها)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور شوقي الساهي (ص/ ١٢٠)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور إبراهيم إبراهيم (ص/ ١٢٦).
(١) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٢/ ٢٥٤)، وآثار اختلاف الفقهاء في الشريعة لأحمد الأنصاري (ص/ ٣٦٥).
(٢) انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (٢/ ٨٨٨).
(٣) منهاج السنة النبوية (٥/ ٢٥٦).
(٤) الفوائد (ص/ ١٤٤ - ١٤٥). وقد نقل ابن القيم في كتابه: الداء والدواء (ص/ ٩٤) عن علي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق". ولم أقف عليه مسندًا، فيما بين يدي من مصادر.

<<  <  ج: ص:  >  >>