للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليفرضْ أنَّه وَقَفَ على حديثين لا يعرفُ صحتَهما ولا ضعفَهما، أحدهما: يوافقُ قولًا لإمامِه، والآخر يخالفُه، أيكون نظرُه في الحديثين سواءً، لا يبالي أنْ يصحَّ سندُ كلٍّ منهما، أو يضعف؟ (١).

إنَّ إجابةَ المتمذهبِ عن هذينِ السؤالينِ السابقينِ مِنْ شأنِها أنْ تُبَيّن مدى اتباعِه لهواه.

يقولُ تقيُّ الدين بنُ تيمية عن العالمِ القادرِ على الاجتهادِ في بعضِ المسائلِ: "إذا قَدِرَ على الاجتهادِ التامِّ الذي يعتقدُ معه أن القولَ الآخر ليس معه ما يَدْفَعُ به النصّ، فهذا يجبُ عليه اتباعُ النصوصِ، وإنْ لم يفعلْ كان متبعًا للظنِّ، وما تهوى الأنفسُ" (٢).

ويقولُ في موضع آخر: "أمَّا ترجيحُ بعضِ الأئمةِ والمشايخِ على بعضٍ، مثل: مَنْ يرجّح إمامَه الذي تفقه به ... فهذا البابُ أكثرُ الناسِ يتكلمون فيه بالظنِّ وما تهوى الأنفسُ ... " (٣).

بلْ إنَّ تقيَّ الدين عدَّ المنتسبَ إلى الأئمةِ الخارجَ عن موجبِ الكتابِ والسنةِ مِنْ أهل الأهواء؛ لأنَّ مَنْ لم يتبع العِلمَ، فقد اتبع هواه (٤).

ولأبي إسحاقَ الشاطبي حديثٌ عن وجهِ عدِّ المبتدعِ متّبعًا لهواه صادقٌ إلى حدِّ ليس بالبعيدِ على متعصبي المذاهبِ، يقول فيه: "إنَّهم اتبعوا أهواءَهم، فلم يأخذوا بالأدلةِ الشرعيةِ مأخذَ الافتقارِ إليها، والتعويل عليها، حتى يصدروا عنها، بلْ قدّموا أهواءَهم، واعتمدوا على آرائِهم، ثم جعلوا الأدلةَ الشرعيةَ منظورًا فيها مِنْ وراء ذلك" (٥).


(١) انظر: التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل لعبد الرحمن المعلمي (٢/ ١٩٦ - ١٩٧).
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٠/ ٢١٣).
(٣) المصدر السابق (٢٠/ ٢٩١).
(٤) انظر: الاستقامة (٢/ ٢٢٤ - ٢٢٥).
(٥) الاعتصام (٣/ ١٠٢)، وانظر منه: (٣/ ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>