للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتمذهبين لم يجعل المناظرةَ لطلبِ الصواب، ومعرفةِ الأدلةِ ودرجاتِها (١)، بلْ جالوا في ميدانِها؛ لنصرةِ مذهبِهم أيًّا كَان الطريقُ إلى ذلك، ولدعوةِ الناسِ إلى التمذهبِ بمذهبِهم (٢).

بلْ وَصَلَ الأمرُ في بعضِ المناظراتِ التي جرتْ بين متأخري المذاهبِ إلى التشاحنِ والتشاجر، فأضحت المناظراتُ مقامَ تطاولٍ وتناحرٍ، لا يُرَاعَى فيها جانبُ الحقِّ (٣)، وقد سَبَقَت الإشارةُ إلى هذا عند حديثي عن المناظرات في الفصلِ السابقِ.

وهذا الخُلُق الذميمُ مِنْ شأنِه أنْ يجعلَ النفوسَ غيرَ قابلةٍ للحقِّ والصوابِ إذا بانَ لها واتضح، فيتمسك كلٌّ بقولِه، ويتعصب له، ويتكلّف ردَّ أدلةِ مَناظرِه، وينصر قولَه ومذهبَه بأيّ دليلٍ (٤).

يقول الشيخُ محمدٌ الشوكاني: "إنَّ الرجلَ قد يكون له بصيرةٌ وحسنُ إدراكٍ، ومعرفةٌ بالحقِّ ورغوبٌ إليه، فيخطئ في المناظرةِ، ويحمله الهوى، ومحبةُ الغَلَب، وطلبُ الظهورِ على التصميمِ على مقالِه، وتصحيحِ خطئِه، وتقويمِ معوجِّه بالجدالِ والمراءِ" (٥).


(١) انظر: آثار اختلاف الفقهاء لأحمد الأنصاري (ص/ ٣٧٥)، وتاريخ التشريع الإسلامي للدكتور عبد الفتاح الشيخ (ص/ ٢٣١)، ومدخل لدراسة الفقه لمحمد المحجوبي (ص/ ٢٤٥)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور شوقي الساهي (ص/ ١٢٤).
(٢) انظر: تاريخ الجدل لمحمد أبو زهرة (ص/ ٢٩٨)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ ١٨٠)، والمذاهب الفقهية الإسلامية لمحمد تاجا (ص/ ١٨١)، وتاريخ التشريع الإسلامي للدكتور عبد الفتاح الشيخ (ص/ ٢٣١)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ ٣٠٥)، والمدخل إلى الشريعة والفقه للدكتور عمر الأشقر (ص/ ٣١٤)، وتاريخ التشريع للدكتور أحمد العليان (ص/ ٢٧٧)، ومدخل لدراسة الفقه لمحمد المحجوبي (ص/ ٢٤٥ - ٢٤٦)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور شوقي الساهي (ص/ ١٢٤ - ١٢٥).
(٣) انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (١/ ٢٠٩)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ ١٨٠).
(٤) انظر: تاريخ الجدل لمحمد أبو زهرة (ص/ ٢٩٨)، والوسيط في تاريخ التشريع للدكتور أحمد الشرقاوي (ص/ ٢٥٤).
(٥) أدب الطلب (ص/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>