للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيلَ: إنَّ مَنْ مارس مذهبًا بُرْهَةً مِن الزمانِ، ونَشَأَ عليه، فإنَّه يجزمُ بصحته، وببطلانِ غيرِه مِن المذاهبِ (١).

وقد يُوْرِثُ هذا الأمر رهبةً في نفسِ مَنْ ترجّح عنده خلافُ مذهبِه مِنْ أنْ يُظْهِرَ قولَه ورأيه (٢).

يقولُ ابنُ القيّمِ: "إنَّ العادةَ قد تقوى حتى تغلبَ حكمَ الطبيعةِ ... فيُربَّى الرجلُ على المقالةِ، ويَنْشَأُ عليها صغيرًا، فيتربى قلبُه ونفسُه عليها، كما يتربى لحمُه وعظمُه على الغذاءِ المعتادِ، ولا يَعْقل نفسَه إلا عليها، ثمَّ يأتيه العلمُ وهلةً واحدةً يريدُ إزالتَها وإخراجَها مِنْ قلبِه، وأنْ يَسْكُنَ موضعَها، فيعسرُ عليه الانتقالُ، ويصعبُ عليه الزوالُ" (٣).

ويقولُ أبو إسحاقَ الشاطبي عن حالِ بعضِ المتمذهبين المتعصبين لمذهبِهم: "إذا جاءَهم أحدٌ ممّنْ بَلَغَ درجةَ الاجتهادِ، وتكلّم في المسائلِ باجتهادِه، ولم يرتبطْ إلى إمامِهم: رموه بالنكيرِ وفَوَقُوا (٤) إليه سهامَ النقدِ، وعدّوه مِن الخارجين عن الجادّة، والمفارقين للجماعةِ! مِنْ غيرِ استدلالٍ منهم بدليلٍ؛ بلْ بمجرّدِ الاعتيادِ العامي" (٥).

وقد عدَّ الشيخُ محمدٌ الشوكاني نشأةَ المسلمِ في بلدٍ تمذهب أهلُه بمذهبٍ واحدٍ الداءَ الذي طبَّق بلادَ الإسلامِ (٦).

وقد يعتادُ بعضُ المتمذهبين النظرَ في كتبِ مذهبِه؛ لطلب أدلةِ المذاهبِ الأخرى، وقد يطَّلعُ على كتابٍ غيرِ مُنْصِفٍ في هذا المَقامِ،


(١) انظر: المصدر السابق (٢/ ٢١٦، ٣٥٢).
(٢) انظر: فتح القدير للشوكاني (٢/ ١٩٨ - ١٩٩)، وأدب الطلب له (ص/ ٩٢)، والإمام الشوكاني - حياته وفكره للدكتور عبد الغني الشرجي (ص ٢٨٣ - ٢٨٤).
(٣) مفتاح دار السعادة (١/ ٢٨٥). وانظر: جامع المسائل لابن تيمة (المجموعة الثامنة/ ٤٤٠).
(٤) الفُوق: الرمي والرشق. انظر: مجمل اللغة لابن فارس، مادة: (فوق)، (٤/ ٧٠٨)، والقاموس المحيط، مادة: (فوق)، (ص/ ١١٨٧).
(٥) الاعتصام (٣/ ٣١٩ - ٣٢٠). وانظر: سير أعلام النبلاء (١٣/ ٢٩٠).
(٦) انظر: أدب الطلب (ص/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>