للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْرِضُ عن أدلةِ المخالفِ القويةِ، ويسميها شُبَهًا، فإذا اقتصرَ المتمذهبُ على مثلِ هذه الكتب، ظنَّ مذهبَه صوابًا في جميعِ المسائلِ، وكلَ مَنْ خالفه فهو مخطئ (١).

السبب السابع: الخشيةُ مِنْ وقوعِ الناسِ في تتبعِ الرخصِ، والتلفيقِ بين المذاهبِ.

لقد كان الحادي والدافعُ لبعضِ المتمذهبين في الدعوةِ إلى البقاءِ على المذهبِ، وعدمِ خروجِ الناسِ عنه، هو المحافظة على الدِّينِ والصيانة له (٢)؛ لئلا يتساهلَ المفتون في إفتاءِ الناسِ بالرخصِ، ولئلا يقعَ الناسُ في تلفيقٍ يُبْطِلُ عبادتهم، وقد سَبَقَت الإشارةُ إلى هذه المسألةِ مِنْ قبلُ.

ويتصل بهذا السببِ: الحرصُ على سلامةِ أقضيةِ الناسِ، وحكوماتِهم مِنْ جَوْرِ بعضِ القضاةِ، فيُلْزَمُ القاضي بالقضاءِ بالمذهب فقط؛ لئلا يُعْطَى فرصةً للتلاعبِ في الاحكامِ.

وها هو ذا الشيخُ محمد الحجوي مع ما عُرِف عنه من دعوةٍ إلى الاجتهادِ، والتحذيرِ مِن التقليدِ المذهبي، يُقررُ ضرورةَ القضاءِ والإفتاءِ بالمذهب فحسب، فلا يخرج عنه البتة، يقول: "أمَّا الأحكامُ القضائيةُ مِنْ بيعٍ وطَلاقٍ ومِلكٍ واستحقاقٍ، أو أيّ عقدٍ كان، والإفتاءُ للغيرِ، فالصواب: أنْ لا نشغل أنْفُسَنَا بالأماني والخيالِ، بلْ علينا النظرُ إلى الحقائقِ الراهنةِ ... أمَّا المعوّلُ عليه الآن، فهو ما عليه الناسُ مَن التزامِ مذهبٍ معيّنٍ: كمالكٍ أو الشافعي أو غيرِهما ممّنْ ظَهَرَتْ أمانتُه ومتانةُ أقوالِه، وحسنُ نظرِه، فلا معدل عن الراجح أو المشهورِ، أو ما به العملُ؛ لقلةِ الأمانةِ في الوقتِ الحاضرِ؛ إذ لو فُتِحَ بابُ الاجتهادِ لأطلقنا طُغْمَة (٣) القضاة


(١) المصدر السابق (ص/ ١٦٨ - ١٦٩).
(٢) انظر: عمدة التحقيق لمحمد الباني (ص/ ٨٠).
(٣) للطَّغم: عدة معانٍ، أنسبها للسياق: الوغد والدناءة. انظر: القاموس المحيط، مادة: (طغم)، (ص/ ١٤٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>