للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن كلِّ تقييدٍ ... وبابُ الحيلِ قد فُتِحَ مِنْ قبلُ مع رقّةِ الديانةِ وذهابِ الأمانةِ ... " (١).

السبب الثامن: الأوقاف على المذاهب الفقهية (٢).

لقد كانَ الوقفُ بابًا مهمًّا لئلا ينقطعَ عملُ المسلمِ بعد موتِه، وجهاتُ الوقفِ كثيرةٌ لا تكاد تُحْصَر، ومِنْ أهمِّها: الوقفُ على معلمي المذاهبِ الفقهيةِ الذين ينذرون أوقاتهم للتعليمِ ونشرِه، وذلك بإنشاءِ مدارسَ تعنى بالمذهبِ، وقد انتفعَ الطلابُ بهذه المدارسِ، وتعلموا فيها، وتخرج فيها عددٌ مِن العلماءِ المحققين (٣).

لكنَّ المشكلةَ التي حلَّتْ في بعضِ الأزمانِ والأقطارِ أنَّ بعضَ الواقفين يشترطُ في معلمي المدرسةِ أن يكونوا مِنْ مذهبٍ فقهي معيَّنٍ، أو أنْ يُدَرِّسوا مذهبًا معينًا، والغالبُ أنَّ هذا الشرطَ صادرٌ مِن الواقفِ عن حُسْنِ نيةٍ وقصدٍ (٤).

وهذا الشرطُ وأمثالُه أورثَ عند بعضِ المدرسين جمودًا وعدمَ تزحزحٍ عن المذهب، فلا يخرجُ عنه، ولا يُقرر غيرَه مِن المذاهبِ، فضلًا عن تدريسِها، وَلا يتجاوزُ المذهبَ وأدلتَه؛ كلُّ هذا؛ لئلا يخرجَ عن شرطِ


(١) الفكر السامي (٤/ ٤٦١ - ٤٦٢).
(٢) انظر: فقه السنة لسيد سابق (١/ ١٣). وما من ريب أن للمال على بعض المنسببن إلى العلم سطوةً تجعل بعضهم يحيد عن الصواب؛ مخافة زواله، وفي هذا المعنى يقول الشوكاني في: البدر الطالع (ص/ ٧٨٥): "رُبّ عالم لا يقدر على الكلمة الواحدة في الحق لمن له عليه أدنى نعمة؛ مخافة من زوالها، بل رُبّ عالم يمنعه رجاء العطية ونيل الرتبة السنية عن التكلم بالحق، ولم يكن بيده إلا مجرد الأماني الأشعبية".
(٣) انظر: ابن تيمية - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ ١٢٨ - ١٢٩)، والاجتهاد ومقتضيات العصر لمحمد الأيوبي (ص/ ١٥٢).
(٤) يقول ابنُ القيم في: إعلام الموقعين (٨٧/ ٦) في سياق حديثه عن شروط الوقف الباطلة: "ومِن هذا: أن يشترط أنْ لا يستحق الوقف إلا من ترك الواجب عليه من طلب النصوص، ومعرفتها، والتفقه في متونها، والتمسك بها، إلى الأخذ بقول فقيهٍ معيّنٍ، يَتْرُكُ لقوله قولَ مَنْ سواه، بلْ يَتْرُكُ النصوصَ لقوله، فهذا شرطٌ مِنْ أبطل الشروط".

<<  <  ج: ص:  >  >>