للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواقفِ، إذ لو خَرَجَ عن شرطِه؛ لما استحقَّ شيئًا مِنْ ريعِ الوقفِ (١).

وقد أنكرَ بعضُ المتمذهبين على تقي الدينِ بنِ تيمية تدريسَه بمدرسةِ ابنِ الحنبلي؛ إذ هي وقفٌ على الحنابلةِ، وتقيُّ الدين لا يلتزمُ مذهبَهم (٢).

ويقولُ أبو شامةَ المقدسي مبيّنًا سببَ تركِ بعضِ العلماء لطَلَبِ رُتْبَةِ الاجتهادِ، والبقاءِ على المذهبِ: "ومِنْ أكبر أسبابِه: تعصبهم وتقيّدهم برِفْقِ الوقوفِ" (٣).

ويقولُ - أيضًا -: "وعُدِمَ منهم - أي: من متعصبة المذاهب - الإنصافُ في مسائلِ الخلافِ؛ ولا سيما لما وُقِفَتْ عليهم الأوقافُ" (٤).

ويقولُ الشيخُ محمدٌ الحجوي: "هناك بالمشرقِ أوقافٌ خاصةٌ بالشافعيةِ، وأخرى بالحنفيةِ مثلًا، ومدارسُ لا يُنَال التدريسُ بها إلا مَنْ كان مقلِّدًا لأحدِ المذاهبِ الأربعةِ، ووظائفُ كذلك مِنْ قضاءٍ وفتوى، فكان هذا العملُ ممَّا أوجبَ بقاءَ العلماءِ مقلِّدين، ولو بلغوا درجةَ الاجتهادِ" (٥).

ويقولُ الشيخُ محمدٌ أبو زهرة: "إنَّ إنشاءَ المدارسِ - مع أنّه أذَّى إلى نشرِ العلمِ، وكثرةِ تحصيله - قد أدَّى إلى التعصبِ الفكري، وكثرةِ الأتباعِ،


(١) بيَّن تقيُّ الدين بن تيمية في: اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ٨٥) أن من أسباب كتم العلم عند بعض المنتسبين إليه حبَّ المال. وانظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم (١/ ٢٨٢)، والاعتصام للشاطبي (٣/ ١٠٢)، وأدب الطلب للشوكاني (ص/ ١٠٦).
(٢) انظر: إعلام الموقعين (٣/ ٥٤٢)، وقد أجاب تقيُّ الدين عن قولهم بأنه إنما يتناول ما يتناول من المدرسة على معرفته بمذهب الإمام أحمد، لا على تقليده له.
(٣) خطبة الكتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول (ص/ ١٢٧). وعلَّق الشيخ محمد الباني في: عمدة التحقيق (ص/ ٧٩) على كلام أبي شامة قائلًا: "يريد برفق الوقوف: ارتفاق الأوقاف مما شَرَطه الواقفون من الخيرات على الأحناف أو الشافعية أو غيرهما مثلًا، فَتَقَيّدهم بالارتفاق بها، وحصر وجهة الارتزاق منها أورث تعصبَهم للمذهب، وجمودَهم على التقليد".
(٤) خطبة الكتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول (ص/ ١٠١).
(٥) الفكر السامي (٤/ ٤٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>