للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلةِ التفكيرِ الحرِّ المستقلِّ الذي ينظرُ إلى الدليلِ، وما يوصل إليه البرهانُ مِنْ غير تقليدٍ أو اتباعٍ ... " (١).

ومن الشواهد على هذا السبب: ما ذكره وليُّ الدين العراقي بقوله: "قلتُ مرةً لشيخنِا الإمامِ البُلقيني - رحمه الله تعالى -: ما يقصرُ بالشيخِ تقيِّ الدّينِ السبكي عن الاجتهادِ، وقد استكمل آلته؟ وكيف يُقلِّدُ؟ ! - ولم أذكرْه هو؛ استحياءً منه؛ لما أريدُ أن أُرَتب على ذلك - فَسَكَتَ. فقلتُ: ما عندي أنَّ الامتناعَ مِنْ ذلك إلا للوظائفِ التي قُررت للفقهاءِ على المذاهب الأربعةِ، وأنَّ مَنْ خَرَجَ عن ذلك واجتهدَ، لم ينلْه شيءٌ مِنْ ذلك، وحُرِمَ وَلايةَ القضاءِ، وامتنع الناسُ مِن استفتائِه، ونُسِب إلى البدعةِ. فتبسَّم، ووافقني على ذلك" (٢).

السبب التاسع: الوقوعُ في ردّة الفعل.

عندما يدعو بعضُ المنتسبين إلى العلم غيرَهم مِن المتمذهبين إلى النظرِ في الأدلةِ، وترجيحِ ما يرجّحه الدليلُ، ويصاحب هذه الدعوةَ في بعضِ الأحايين ما يُنفّر منها، ويدعو إلى محاربةِ مَنْ ينتسبُ إليها، كأنْ يصدرَ مِن الداعي هجومٌ على إمامِ المذهبِ وعلماءِ مذهبِه، أو هجومٌ على المذاهبِ، والدعوة إلى تركِها بالكليةِ، ونحو هذا: يقف المدعوون موقفًا سلبيًا ومعاديًا لهؤلاءِ؛ بسببِ سوءِ التصرفِ الصادرِ عنهم.

ولو سَلَكَ أولئك القوم طريقةً أحسن مِن هذه الطريقِةِ لكانت النتيجةُ أفضلَ، فكيفَ نريدُ مِنْ علماءِ الحنفيةِ مثلًا أنْ يقبلوا دعوةَ مَن يدعوهم إلى الأخذِ بالدليلِ في بعضِ المسائلِ، والداعي يتهجم على الإمامِ أبي حنيفةَ نفسِه؟ ! (٣).


(١) ابن تيمية - حياته وعصره (ص/ ١٢٨). وانظر: أدب الطلب للشوكاني (ص/ ٩٣)، والإمام الشوكاني رائد عصره للدكتور حسين العمري (ص/ ٦٧).
(٢) الغيث الهامع (٣/ ٩٠٢ - ٩٠٣). وقارن: بمنهج البحث والفتوى لمصطفى الطرابلسي (ص/ ٢٢٧).
(٣) انظر: أدب الاختلاف لمحمد عوامة (ص/ ٤١ - ٤٢)، وأثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة له (ص/ ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>