للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولُ شمسُ الدين الذهبي عن ابنِ حزمٍ: "لم يتأدبْ مع الأئمةِ في الخطاب، بلْ فجَّجَ العبارة، وسبَّ وجدّعَ، فكان جزاؤه مِنْ جنسِ فعلِه، بحيثُ أَعرضَ عن تصانيفِه جماعةٌ مِنْ الأئمةِ، وهجروها، ونفروا منها، وأُحْرِقَتْ في وقتٍ ... " (١).

ويقولُ أحمدُ بن المقّري (٢) عنه أيضًا: "هو نسيجُ وَحْدِه (٣)، لولا ما وُصِفَ به مِنْ سوءِ الاعتقادِ، والوقوعِ في السلفِ الذي أثارَ عليه الانتقادَ، سامحه الله" (٤).

ولقد أرشدَ الشوكانيُّ مَنْ يريدُ إقامةَ الحجةِ بالصدعِ بالحقِّ، وضرب البدعةِ في وجهِ صاحبِها، وأنْ يُلْقَمَ المتعصبُ حجرًا، ويوضّح ما شرعه اللهُ لعبادِه، وأنَّ يُبيّنَ للمتمسكِ بالرأي مع وجودِ الأدلةِ الثابتةِ عن الشارعِ أنَّه


(١) سير أعلام النبلاء (١٨/ ١٨٦ - ١٨٧). وانظر: مقدمة ابن خَلدون (٣/ ١٠٤٨)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ ٣٤٥).
(٢) هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الرحمن المقَّري، شهاب الدين أبو العباس، ولد بتلمسان، كان حافظًا إمامًا علامةً ماهرًا في عدد من علوم الشريعة، مع الزهد والورع، معروفًا ببيانه وفصاحته، أخذ عن سعيد المقبري الفقه والحديث، وروى عنه الكتب الستة، وقد رحل إلى المشرق في طلب العلم، من مؤلفاته: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وأزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، وشرح مقدمة ابن خلدون، توفي بمصر سنة ١٠٤١ هـ. انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي (١/ ٣٣٩)، وفهرس الفهارس والأثبات للكتاني (٢/ ٥٤٧)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (١/ ٣٠٠)، والأعلام للزركلي (١/ ٢٣٧)، ومقدمة تحقيق نفح الطيب للمقري (١/ ١٧).
(٣) نسيج وحده: أي: لا نظير له في العلم. انظر: القاموس المحيط، مادة (نسج)، (ص/ ٢٦٥).
(٤) نفح الطيب (٢/ ٧٨). وقد يكون مراد أحمد المقري بسوء الاعتقاد الذي وقع فيه ابن حزم أنه وافق الجهمية في نفي الصفات عن الله تعالى، ويدل على لهذا:
- ما قاله تقيُّ الدين بن تيمية في: درء تعارض العقل والنقل (٥/ ٢٥٠) عن ابن حزم: "قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم، مع أنه لا يثبتُ علمًا هو صفة، ويزعم أنَّ أسماء الله: كالعليم والقدير ونحوهما، لا تدلُّ على العلم والقدرة".
- وما قاله ابن عبد الهادي في: طبقات علماء الحديث (٣/ ٣٥٠) عن ابن حزم: "وقد طالعتُ أكثر كتاب: (الملل والنحل)، لابن حزم، فرأيته قد ذكر فيه عجائب كثيرة ... لكنْ تبيَّن لي أنه جهمي جَلْد، لا يثبتُ مِن معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل ..... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>