للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كخابطِ عشواء، وراكبِ عمياء (١).

ومثل هذا المسلكِ لا يصلحُ لكثيرٍ مِن الناسِ، وهو مُؤذنٌ بعدمِ قبولِ المنصوحِ للنصيحةِ.

ويتحدّثُ أبو حامدٍ الغزاليُّ عن بعضِ العلماءِ الذين يزدون مخالفيهم فيقع مخالفوهم في مخالفةِ الصواب؛ نتيجةً لسوءِ أولئك العلماء، فيقول: "إذ التعصّبُ سببٌ يرسخُ العقائدَ فيَ النفوسِ، وهو مِنْ آفاتِ العلماءِ السوء، فإنَّهم يبالغون في التعصّبِ للحقِّ، وينظرون إلى المخالفين بعينِ الازدراءِ والاستحقارِ، فينبعثُ منهم الدعوى بالمكافأةِ والمقابلةِ والمعاملةِ، وتتوافر بواعثُهم على طلبِ نصرةِ الباطلِ، ويقوى غرضُهم في التمسّكِ بما نسبوا إليه، ولو جاءوا مِنْ جانب اللطفِ والرحمةِ والنصحِ في الخلوةِ، لا في معرضِ التعصّبِ والتحقيرِ: لأنجحوا فيه ... " (٢).

وقد يقعُ بعضُ الناسِ في التعصبِ نتيجةً لفعل صارٍ مِنْ بعض المتمذهبين.

ومن الأمثلة على هذا: أنَّ أحدَ علماءِ المالكيةِ البارزين (٣) لمَّا مالَ إلى مذهب الإمامِ الشافعي، أَخَذَ يُسمي: (المدونة) بالمدودة! فهجره علماءُ المالكية (٤)، والظاهر أنَّهم هجروه؛ لإساءته اللفظيةِ لكتابٍ مؤلَّفٍ في أجوبة إمامِهم.

السبب العاشر: الضعف العلمي (٥).

لم يكن العلماءُ والمتعلمون يومًا ما على درجةٍ واحدةٍ في العلمِ، بلْ


(١) انظر: أدب الطلب (ص/ ٩٣).
(٢) إحياء علوم الدين (١/ ٦٨). وانظر: إتحاف السادة المتقين للزبيدي (١/ ٢٧٥).
(٣) هو: سعيد بن محمد بن صبيح، أبو عثمان الإفريقي (ت: ٣٠٢).
(٤) انظر: العبر في خبر من غبر للذهبي (١/ ٤٤٣)، وجامع مسائل الأحكام للبُرزلي (٦/ ٣٧٤).
(٥) انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (٢/ ٨٨٧)، ومفتاح دار السعادة له (١/ ٢٨١)، وأليس الصبح بقريب لابن عاشور (ص/ ١٧٨)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عمر الأشقر (ص/ ١٨٣)، وتاريخ التشريع للدكتور أحمد العليان (ص/ ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>