للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم متفاوتون فيه تفاوتً واضحً، والمتمذهبُ الذي حصَّل شيئًا مِن العلمِ، وجهلَ أشياءَ كثيرة، ولم يجعل جهلَه عذرًا له في تركِ الإنكارِ على غيرِه، فأضحى ينكرُ على كلِّ مَنْ خالف مذهبه، دونَ معرفةِ حجةِ قولِه: واقعٌ في أثرِ سلبي؛ نتيجةَ لضعفِه العلمي (١).

يقولُ تقيُّ الدينِ بنُ تيميةَ: "مِن الناسِ مَنْ لا يعرفُ مذاهبَ أهلِ العلمِ، وقد نَشَأَ على قولٍ لا يعرف غيرَه، فيظنَّه إجماعًا" (٢).

ولابنِ القيمِ كلماتٌ صالحةٌ لهذا السبب، يقولُ بعدما قرر مسألةَ: (اشتراط المحلِّل في السباق) بأقوالِها وأدلتِهَا (٣): "فتأمّلْ أيّها المنصفُ المذاهبَ، وهذه المآخذَ؛ لتعلمَ ضعفَ بضاعةِ مَنْ قمّشَ شيئًا مِنْ العلمِ مِنْ غيرِ طائلٍ، وارتوى مِنْ غيرِ مَوْردٍ، وأنكرَ غيرَ القولِ الذي قلَّده بلا علمٍ" (٤).

ولا يخفى أنَّ الجهلَ داءٌ قد يصدُّ عن الحقِّ؛ إذ الجهلُ أصلُ كلِّ فسادٍ (٥)، يقولُ ابنُ القيمِ: "الأسبابُ المانعةُ مِنْ قبولِ الحقِّ كثيرةٌ جدًّا: فمنها: الجهلُ به، وهذا السببُ هو الغالبُ على أكثرِ النفوسِ، فإنَّ مَنْ جهلَ شيئًا عاداه، وعادى أهلَه" (٦).


(١) انظر: المذاهب الفقهية الإسلامية لمحمد تاجا (ص/ ٢٤٧).
(٢) الإيمان (ص/ ٣٢).
(٣) المقصود بالمسالة: أنْ يتسابق اثنان، وللفائز منهما جعلٌ يبذله كلا المتسابقين، أفيجوز ذلك، أم لا بد من وجود شخص ثالث - يسمى المحلل - يدخل مع المتسابقين في السباق؟
(٤) الفروسية المحمدية (ص/ ٢٨٤). وانظر: المنار المنيف لابن القيم (ص/ ٣٤).
(٥) انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم (١/ ٢٦٤).
(٦) هداية الحيارى (ص/ ٣٩). انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (١/ ٥٢٣)، والاعتصام للشاطبي (٣/ ١١١ وما بعدها)، والمذاهب الفقهية الإسلامية لمحمد تاجا (ص/ ١٧٠ وما بعدها)، ومقدمة في أسباب اختلاف المسلمين لمحمد العبده وزميله (ص/ ١٠١ وما بعدها)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عمر الأشقر (ص/ ١٨٣)، وتاريخ التشريع للدكتور أحمد العليان (ص/ ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>