للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريق الخامس: العنايةُ بالتخصصِ العلمي.

ممَّا هو معلومٌ أنَّ العلمَ الواحدَ بحورٌ زاخرةٌ، وممَّا يسهمُ في ضبطِه أنْ يتخصصَ المتمذهبُ في علمٍ - أو فنٍ - بحيثُ يتقنُه ويستوعبُه، ويستوفي مقاصدَه وأغراضَه.

إنَّ المتخصصَ في العلمِ أقربُ إلى الاهتمامِ بالدليلِ، وإلى تركِ التعصبِ ونبذِه، والدراسةُ المتخصصةُ مِنْ أفضلِ أساليبِ التأليفِ في العصرِ الحاضرِ (١).

بل إنَّ الاهتمامَ بموضوعاتٍ وأبوابٍ محددةٍ في العلمِ الواحدِ - إذا كان واسعًا مترامي الأطراف كالفقه مثلًا - أحرى بصاحبِه إلى ضبطِ مسائلِه وإتقانِها، ومعرفةِ أدلتِها.

ومِنْ شأنِ المتخصصِ إذا كان ذا أهليةٍ أنْ يكونَ منصفًا، دقيقًا في آرائه (٢)، ذا قدرةٍ على النقدِ والابتكارِ.

وقد جاء عن بعضِ العلماءِ المتقدمين الحثُّ على التخصص في العلم: يقولُ الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: ١٧٥ هـ): "إذا أردتَ أنْ تكونَ عالمًا، فاقصدْ لفنٍ مِنْ العلمِ، وإنْ أردتَ أنْ تكون أديبًا، فخذْ مِنْ كلِّ شيءٍ أحسنَه" (٣).

وحينَ بيّن الشيخُ محمد الطاهر بن عاشور أسبابَ تأخرِ المسلمين في علومِهم، ذَكَرَ مِنْ جملةِ الأسباب: إهمال التخصصِ، فبيّنه قائلًا: "طموحُ النفسِ إلى المشاركةِ في جميعِ العَلومِ، ممَّا جعل التآليف خليطًا مِن المسائلِ التي يتوقف بعضُها على فهمِ بعضٍ ... وذلك حال دونَ أهلِ العلمِ، ودونَ


(١) انظر: المدخل لدراسة الفقه للدكتور شوقي الساهي (ص/ ١٤٦).
(٢) انظر: التعليم والإرشاد لمحمد النعساني (ص/ ٢٢٣)، ونصائح منهجية لحاتم العوني (ص/ ٣٨).
(٣) نقل كلامَ الخليل بن أحمد ابنُ عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (١/ ٥٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>