وبمراعاة ما ذكرتُه فيها يتحقق للمتمذهب غلبةُ الظنِّ بأنَّه أَخَذَ بقولِ إمامِه الذي استقر رأيه عليه.
٧٩) يتصلُ بما سَبَقَ الحديثُ عن مسألتينِ مهمتينِ اهتمَّ بهما عددٌ من الأصوليين، وللخلاف فيها آثارٌ في عدة مسائل، وهما:
المسألة الأولى: إذا جاءَ عن إمامِ المذهب قولانِ مختلفانِ، وقد عُلِمَ المتأخرُ منهما مِن المتقدمِ، فهل يُنْسَبُ إليهَ القولُ المتقدمُ؟
اختلفَ العلماءُ في المسألةِ، وتعددت أقوالهم وأدلتُهم فيها، وقد ظَهَرَ لي أنَّ الإمامَ إذا صرَّح بالرجوع، أو عُلِمَ رجوعُه، فلا ينسب إليه القولُ المتقدِّمُ قطعًا، أمَّا إذا لم يصرِّحْ بالرجوع، ولم يُعْلَم رجوعُه، فالظاهرُ رجوعُه عن قولِه المتقدِّمِ.
المسألة الثانية: إذا جاءَ عن إمامِ المذهب قولانِ مختلفانِ، ولم يُعلم المتقدّمُ منهما مِن القولِ المتأخر، فما القول الذي ينسبُ إلى إمام المذهبِ في هذه الحالةِ؟
اختلف العلماءُ في المسألةِ، وتعددتْ أقوالُهم وأدلتُهم فيها، وقد ظَهَرَ لي أنَّه مِنْ جهةِ نسبةِ القولِ إلى إمامِ المذهبِ: فإنَّ الأرجحَ هو اعتقادُ نسبةِ أحدِ القولين إليه، ورجوعِه عن القولِ الآخر، دونَ تعيينِ أحدِهما، أمَّا مِنْ جهةِ عملِ المتمذهبِ: فالأقربُ أنَّه يأخذُ بالقولِ الأشبهِ بأصولِ مذهبِه وقواعدِه.
٨٠) لمعرفةِ رجوعِ إمامِ المذهبِ عن قولِه عدةُ طرق، منها:
• تصريحُ الإمامِ نفسِه برجوعِه عن قولِه.
• ما ينقلُه تلاميذُ الإمامِ وأصحابُه مِنْ رجوعِ إمامِهم عن قولِه.
• ما يقرره أصحابُ المذهبِ المحققون فيه أن إمامَهم قد رَجَعَ عن قولِه.
• إذا تعارضَ قولُ لإمامِ المذهبِ مع قولٍ آخر، وعُلِمَ القولُ المتأخر منهما، فالمتقدِّم مرجوعٌ عنه.