لا شكَّ في أنَّ اعتناءَ المجتهدِ بالقرآنِ الكريمِ كلِّه أكملُ وأولى، والذي يظهرُ لي رجحانُه في المسألةِ هو القولُ بلزومِ معرفةِ المجتهدِ لآياتِ الأحكامِ فقط، دونَ اشتراطِ ما زادَ عليها؛ لأنَّ استمدادَ الأحكامِ الشرعيةِ ابتداءً مِن الآياتِ التي وَرَدَت في بيانِها، لكنَّ معرفةَ القرآنِ الكريمِ جميعِه لازمةٌ؛ لتمييزِ آياتِ الأحكامِ عن غيرِها؛ ضرورةَ عدم تقليدِ المجتهدِ لغيرِه في حصرِ آياتِ الأحكامِ.
وأشيرُ في هذا المقامِ إلى أنَّه يحسنُ بالمجتهدِ أنْ لا يستغنى عن النظرِ والاستنباطِ في جميعِ القرآنِ بالنظرِ في آياتِ الأحكامِ (١).
• سبب الخلاف:
مِنْ خلالِ النظرِ في القولين، وما استدلا به، يظهرُ لي أنَّ الخلافَ عائدٌ إلى لزومِ معرفةِ المجتهدِ لما دلَّ عليه القرآنُ مِن الأحكام ممَّا لم يسقِ الكلامُ لأجلِه.
فإنْ قلنا: لا يلزمُ المجتهد معرفة ما دلُّ عليه القرآنُ مِن الأحكامِ ممَّا لم يسقِ الكلامُ لأجلِه، لم نُوْجِبْ عليه معرفةَ القرآنِ كلِه، وهذا ما سار عليه أصحابُ القولِ الثاني.
وإنْ قلنا: يلزمُ المجتهد معرفة ما دلَّ عليه القرآنُ مِن الأحكامِ ممَّا لم يسقِ الكلامِ لأجلِه، أوجبنا عليه معرفةَ القرآنِ كلِّه، وهذا ما سارَ عليه أصحابُ القولِ الأولِ.
المسألة الثانية: عددُ آياتِ الأحكامِ في القرآنِ الكريمِ.
مِنْ القرآنِ الكريمِ آياتٌ دالةٌ على الأحكامِ الشرعيةِ، فهلْ عددُ هذه الآياتِ محددٌ؟
(١) انظر: الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه للدكتور سيد الأفغاني (ص/ ١٨١).