للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنطقِ، متى أَخْطَأَ شرطًا منها، فَسَدَ عليه الدليلُ، وهو يعتقدُه صحيحًا (١).

• الموازنة والترجيح:

يظهرُ لي مِنْ خلالِ تأمّلِ القولين، وأدلتهم الآتي:

أولًا: عدمُ طردِ القولِ باشتراطِ معرفةِ علمِ المنطقِ للمجتهدِ، أو عدمِ اشتراطِ معرفتِه، بل الأمرُ عائدٌ إلى استغناءِ المجتهدِ عنه مِنْ عدمِه: فإنْ كان المجتهدُ يعرفُ كيفيةَ نصبِ الأدلةِ ودلالتها على المطلوبِ بالدّربةِ مثلًا، فلا تُشترطُ معرفةُ المنطقِ في حقِّه حينئذٍ؛ لاستغنائِه عنه.

أمَّا إنْ لم يعرف المجتهدُ كيفيةَ نصبِ الأدلةِ، ودلالتها على المطلوبِ، فتُشترطُ معرفةُ المنطق في حقِّه حينئذٍ؛ لينضبطَ نظرُه.

ثانيًا: أنَّ الأَولى بالمجتهدِ تعلّم المنطقِ، وإنْ لم يحتجْ إليه؛ لما يحققه مِن فوائد متعددةٍ، تعود على المجتهدِ، فضلًا عن عصمةِ ذهنِه عن الوقوعِ في الخطأِ (٢).

وأمَّا ما ذُكِرَ مِنْ بلوغِ أئمةِ المسلمين رتبةَ الاجتهادِ، مع عدمِ معرفتِهم بالمنطقِ، فيقال: إنَّ أئمةَ السلفِ، وإن لم يتعلموا المنطقَ، فإنَّهم يعرفون الأمور التي يتحققُ بها نصب الدليل، وتقرير مقدماته، ووجه إنتاجِه المطالب، فهم أصلًا غيرُ محتاجين إليه (٣)؛ ولذا قررتُ آنفًا أنَّ مَن استغنى عنه مِن المجتهدين، لم يُشترطْ في حقِّه معرفتُه، ومَنْ لم يستغنِ عنه، اشتُرطتْ عليه معرفتُه.

وقد يُقالُ: إنَّ أئمةَ المسلمينَ كانوا عارفين بعلمِ المنطقِ، غير أنَّهم لم يكونوا يعرفونَ العباراتِ الخاصة والاصطلاحاتِ الموجودة بعدهم (٤).


(١) انظر: نفائس الأصول (٩/ ٤٠١٩ - ٤٠٢٠)، وشرح مختصر الروضة (٣/ ٥٨٣)، ونهاية السول (٤/ ٥٥١).
(٢) انظر: آداب البحث والمناظرة للشنقيطي (ص/ ٨ - ٩).
(٣) انظر: شرح مختصر الروضة (٣/ ٥٨٣).
(٤) انظر: الفوائد شرح الزوائد للأبناسي (٢/ ١٢٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>