للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن الجواب عن المناقشة: بأنَّ ما ذكرتموه مِنْ أنَّ الأرجحَ مِن تلك الاحتمالاتِ هو الرِّضا، ادِّعاءٌ لا دليلَ عليه؛ وليس للرِّضا ما يميّزه عن غيرِه مِن الاحتمالاتِ المذكورةِ في الدليلِ، فلا تُسلّم لكم المناقشة.

الدليل الثاني: عملُ الفقهاءِ دالٌّ على أنَّ السكوتَ ليس برضا، فالفقيهُ يرى غيرَه يأتي في صلاتِه مثلًا بما يخالفُه ولا يرتضيه، ومع ذلك لا يردُّ عليه، ولا يخاصمه في رأيه، وإذا ثَبَتَ هذا، فإن السكوتَ ليس بطريقٍ لإثباتِ قولِ الإمامِ (١).

مناقشة الدليل الثاني: ما ذكرتموه في الدليلِ يختلفُ القولُ فيه تَبَعًا لمَنْ يتوجّه إليه الإنكارُ، والناسُ في هذا المقامِ ثلاثةُ أقسام:

القسم الأول: العامّةُ، ولا يلزمُ الفقيه الإنكارُ عليهم، وله السكوتُ، إذا أتوا مذهبًا متبعًا، وإنْ بيّنَ لهم، فهو أفضلُ.

القسم الثاني: فقهاء على غيرِ مذهبِه، فهؤلاءِ لا يلزمُه الإنكارُ عليهم، وله السكوتُ؛ لأنَّهم في الغالبِ لا يرجعون عن قولِهم إلى قولِه.

القسم الثالث: فقهاء على مذهبِه، فيلزمه الإنكارُ عليهم، وليس له السكوتُ، إلا على يقينٍ مِنْ جوازِ فعلِهم.

وإذا تقرر هذا، كان السكوتُ حينئذٍ طريقًا لإثباتِ قولِ الإمامِ (٢).

أدلةُ أصحابِ القولِ الثاني: استدلَّ أصحابُ القولِ الثاني بأدلةٍ، منها:

الدليل الأول: إذا سَكَتَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الشيءِ، دلَّ سكوته على إقرارِه والرضا به، والعلماءُ ورثةُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قالَ - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ العلماء ورثة الأنبياء) (٣)، وإذا ثَبَتَ أنَّ السكوتَ دليلٌ على الإقرارِ في حقِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -،


(١) انظر: المصدر السابق (١/ ٤٢٦).
(٢) انظر: المصدر السابق (١/ ٤٣٧ - ٤٣٨).
(٣) تقدم تخريج الحديث في: (ص/ ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>