للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصورة الثاني: أنْ ينتسبَ المجتهدُ إلى مذهب معيَّنٍ، دونَ أنْ يكونَ لهذه النسبةِ أثرٌ في اجتهادِه، ويذكر أقوالَ إمامِه فيما يختارُه مِن المسائلِ.

إذا بَلَغَ العالمُ رتبةَ الاجتهادِ في الشريعةِ، وانتسبَ إلى مذهب معيَّنٍ، واجتهدَ في مسألةٍ مِن المسائلِ، وتوصَّلَ فيها إلى رأي وافقَ فيه قولَ إمامِه، ومع ذلك فإنَّه ينسبُ قولَه إلى إمامِه، كأنْ يقول مثلًا: هذا قول إمامي، أو: هذا مذهب الأصحاب، مع أنَّه لم يذهبْ إليه إلا بعدَ اجتهادٍ ونظرٍ، وكذلك لو أَخَذَ بأصولِ مذهبِه وقواعدِه بعد قناعتِه بها: فالذي يظهرُ لي في حكم هذه الصورةِ أنَّه لا محذورَ فيها؛ لأنَّه لا أثرَ لجعلِ ما يختارُه المجتهدُ قولَ إمامه أو مذهب أصحابه؛ وذلك لتحققِ الاجتهاد منه، ولأنَّه لم يذكرْ قولًا يخالفُ ما تقرر عنده.

يقولُ أبو إسحاقَ الإسفراييني: "الصحيحُ الذي ذَهَبَ إليه المحققون، ما ذَهَبَ إليه أصحابُنا، وهو أنَّهم - أيْ: أصحاب الشافعي - صاروا إلى مذهبِ الشافعي - رحمه الله - لا على جهةِ التقليدِ له، ولكنْ لمَّا وجدوا طريقَه في الاجتهادِ والفتاوى أسدَّ الطرقِ وأولاها، ولم يكنْ لهم بُدٌّ مِن الاجتهادِ، سلكوا طريقَه في الاجتهادِ، وطلبوا معرفةَ الأحكامِ بالطريقِ الذي طلبها الشافعيُّ به" (١).

الحالة الثانية: أنْ ينتسبَ المجتهدُ إلى مذهبٍ معيَّنٍ، ويأخذ بقولِ إمامِ المذهبِ في بعضِ المسائلِ على سبيل الاتباعِ.

قد يطَّلعُ المجتهدُ المنتسبُ إلى مذهب معيَّنٍ على دليلِ قولِ إمامِه، ولا يعرفُ له معارضًا، لكنَّه لم يستكمل النظرَ في المسألةِ، فيقول فيها بقولِ إمامِه؛ للدليلِ الدالِّ عليه.

والذي يظهرُ لي في حكمِ هذه الحالة جوازُ التمذهب؛ لانتفاءِ المحذورِ، وهو القولُ بلا دليلٍ، لكنَّ الأفضلَ للمجتهدِ استكمالُ النظرِ في المسألةِ فيما لو أرادَ العملَ، أو الإفتاءَ.


(١) نقل كلام أبي إسحاق ابنُ الصلاح في: أدب المفتي والمستفتي (ص/ ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>