الحالة الثالثة: أنْ ينتسبَ المجتهدُ إلى مذهبٍ معينٍ، ويأخذ بقولِ إمامِه في بعضِ المسائل على سبيلِ التقليدِ.
قد يبلغُ العالمُ رتبةَ الاجتهادِ في الشريعةِ، ومع بلوغِه تلك المنزلة العلمية، إلا أنَّه ينسبُ نفسَه إلى مذهبِه - الذي تخرَّج فيه - ومع بلوغِه رتبةَ الاجتهادِ، قد يأخذُ بقولِ إمامِه في بعضِ المسائلِ على سبيلِ التقليدِ، أي: أنَّ المجتهدَ في هذه الحالةِ أَخَذَ بالقولِ؛ لأنَّ إمامَه قال به، فما حكمُ التمذهبِ في هذه الحالةِ؟
يُبْنَى الحكمُ في هذه الحالةِ على ما حرره الأصوليون في مسألةِ:(تقليد المجتهدِ لغيرِه مِن المجتهدين)؛ ولذا سأعرضُ هذه المسألةَ، ثم أُبيّنُ القولَ الراجحَ فيها، والذي ينطبقُ على الحالةِ الثالثةِ.
وقبلَ الدخولِ في تفاصيلِ مسألةِ:(تقليد المجتهدِ لغيرِه مِن المجتهدين)، أنبّه إلى أنَّ الأقوالَ فيها كثيرةٌ، وسأقتصرُ في عرضِها على أهمِّها ممَّا له علاقةٌ مباشرةٌ بمسألتنِا، أمَّا الأقوالُ التي لا تُؤثر في مسألتنا - كالقولِ بجوازِ تقليدِ الصحابةِ فقط، أو جوازِ تقليدِ الصحابةِ والتابعين - فلن أعرضَ لها؛ لعدمِ تأثيرِها في مسألتِنا.
• صورة المسألة:
هل يجوزُ للمجتهدِ أنْ يقلَّد مجتهدًا آخر في مسألةِ مِن المسائلِ، دونَ معرفةِ دليلِ قولِه؟
• تحرير محل النزاع:
يمكنُ تحريرُ محلِّ النزاعِ في ضوءِ الآتي:
أولًا: اتفقَ العلماءُ على أن المجتهدَ إذا توصَّلَ إلى رأي محددٍ في مسألةٍ مِن المسائل، فلا يجوزُ له أنْ يقلِّدَ فيها مجتهدًا آخر.
حكى الاتفاقَ جمعٌ مِن المحققين، منهم: أبو المظفرِ السمعاني (١)،