للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأدلة على عدم جواز التقليد في هذه الحالة، ما يأتي:

الدليل الأول: أنَّ ظنَّ المجتهدِ لا يساوي الظنَّ المستفادَ مِنْ غيرِه، والعملُ بأقوى الظنين واجبٌ (١).

يقولُ الشيخُ محمد بخيت المطيعي: "إنَّما حرُم ذلك - أيْ: تقليد المجتهد لغيره - ووَجَبَ عليه العملُ بظنّه؛ لأنَّ ظنَّه الحاصلَ له باجتهادِه أقوى؛ لعلمِه بكيفيةِ استنتاجِه، وأمَّا غيرُه، فيحتمل أنَّ في كيفيةِ استنتاجِه خللًا عنده لو اطَّلعَ عليه، وكيفَ يجوزُ التقليدُ مِنْ بعدِ الاجتهادِ، وحصولِ الظنِّ؟ ! وكلُّ مجتهدٍ يعتقدُ أنَّ ما استدلَّ به وأَخَذَ به الحُكمَ دليلٌ، وما أَخَذَ به مخالفُه شبهةُ دليلٍ، فكيفَ يجوزُ أن يتركَ ما يقتضيه الدليلُ إلى ما تقتضيه شبهةُ دليل؟ ! " (٢).

الدليل الثاني: أنَّ ما علمَه المجتهدُ باجتهادِه هو ما يعتقده حكمًا لله، فلا يتركُه لقولِ أحدٍ (٣).

لكنْ يُشكلُ على حكايةِ الاتفاقِ السابقِ أمران:

الأمر الأول: ما ذكرُه أبو بكرٍ الجصاص، وأبو عبد الله الصيمري (٤) عن الإمامِ أبي حنيفةَ، مِنْ أنَّ المجتهدَ إذا اجتهدَ، وتوصَّلَ إلى رأي، فله أنْ يأخذَ باجتهادِه، وله أنْ يقلَّدَ غيرَه إذا كانَ أعلمَ منه.

يقولُ أبو بكرٍ الجصاص: "وقد اختلفَ أصحابُنا فيمَنْ كان مِنْ أهلِ


(١) انظر: البحر المحيط (٦/ ٢٨٥).
(٢) سلم الوصول (٤/ ٥٨٧ - ٥٨٨).
(٣) انظر: فواتح الرحموت (٢/ ٣٩٢).
(٤) هو: الحسين بن علي بن محمد، أبو عبد الله الصيمري، كان علامةً فقيهًا أصوليًا، صدوقًا، وافر العقل، حسن المعشر، عارفًا حقوق العلماء، حسن العبارة، جيد النظر، من كبار علماء الحنفية، ومن كبار الفقهاء المناظرين، ولي قضاء المدائن، من مؤلفاته: مسائل الخلاف، توفي سنة ٤٣٦ هـ وله إحدى وثمانون سنة. انظر ترجمته في: تاريخ مدينة السلام للخطيب (٨/ ٦٣٤)، والأنساب للسمعاني (٨/ ١٢٨)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ٦١٥)، والبداية والنهاية (١٥/ ٦٩٣)، والجواهر المضية للقرشي (٢/ ١١٦)، والفوائد البهية للكنوي (ص/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>