للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: أنْ نؤولَ كلامَ الإمامِ أبي حنيفة بحملِه على أنَّ للمجتهدِ أنْ يأخذَ بقولِ نفسِه، وله أنْ يقلدَ غيرَه، إذا وَجَدَ في رأي غيرِه قوةً.

ويدلُّ على الرابعِ: ما ذكره أبو بكرٍ الجصاص، وأبو عبد الله الصيمري عند استدلالهم لقولِ الإمامِ أبي حنيفة، يقول أبو بكرٍ الجصاص: "فلم يخلُ في تقليدِه - أيْ: المجتهد - إياه - أي: المجتهد المقلَّد - مِنْ أنْ يكونَ مستعملًا لضربٍ مِن الاجتهادِ، يُوجبُ عنده رجحان قولِ مَنْ قلَّده على قولِه" (١).

ويقولُ أبو عبد الله الصيمري: "إذا رأى اجتهادَ غيرِه أقوى مِنْ اجتهادِه، كان ذلك ضربًا مِن الاجتهادِ، فلمَّا جازَ أنْ يأخذَ بما يؤدي إليه اجتهادُه، جازَ له أن يأخذَ بقولِ غيرِه" (٢).

ولعل الأمرَ الرابع هو أقرب شيءٍ يُمكنُ أنْ يُقالَ في شأنِ ما وَرَدَ عن الإمامِ أبي حنيفةَ، وبناءً عليه يبقى الاتفاقُ المحكي سالمًا.

الأمر الثاني: ساقَ أبو الخطاب حين عَرَضَ الأقوالَ في المسألةِ قولًا مفادُه أنَّ للمجتهدِ إنْ لم يجتهدْ أنْ يقَلِّد غيرَه مِن المجتهدين على الإطلاقِ، وإن اجتهد، فلا يجوزُ له التقليدُ (٣).

وظاهرُ هذا التفصيلِ يدلُّ على أنَّ المجوزين جوَّزوا التقليدَ على الإطلاقِ، سواء أكان قبلَ اجتهادِ المجتهدِ، أم بعد اجتهادِه (٤).

وقدْ أجابَ عن هذا الإشكالِ تقيُّ الدين بنُ تيمية، بقولِه: "وهذا الذي ذكره أبو الخطابِ يدل على أنَّ المجيزين على الإطلاقِ جوَّزوا التقليدَ بعدَ الاجتهادِ، حيثُ جَعَلَ التفصيلَ قولًا، ثمَّ ذَكَرَ أبو الخطابِ في أثناءِ


(١) الفصول في الأصول (٤/ ٣٨٤).
(٢) مسائل الخلاف في أصول الفقه (ص/٣٧٨).
(٣) انظر: التمهيد في أصول الفقه (٤/ ٤٠٩).
(٤) انظر: المسودة (٢/ ٨٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>