للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرِه مِن المجتهدين إلا إذا تعذَّرَ عليه الاجتهادُ تعذرًا حقيقًا؛ لأي سببٍ كان، إذا ظنَّ أنَّه لنْ يتوصلَ إلى رأي راجحٍ في المسألة، لكنْ لا بُدَّ أن تطمئنَ نفسُه إلى القولِ الذي قلَّدَ فيه المجتهدَ الآخر.

وقد رجحتُ ما سبقَ للآتي:

أولًا: عمومُ الأدلةِ الدالةِ على المنعِ مِن التقليدِ، وأَوْلى مَنْ تتوجه إليه تلك الأدلة هو المجتهدُ، واستثني مِنْ هذا العموم المجتهدُ إذا تعذَّر عليه الاجتهادُ.

ثانيًا: أنَّ أهمَّ ما يتميز به المجتهدُ عن غيرِه مِن العلماء الذين لم يبلغوا رتبةَ الاجتهادِ، والعوامِّ، هو: إمكانيةُ التوصلِ إلى الحكمِ الشرعي بطريقٍ صحيحٍ، فإذا تَرَكَ الاجتهادَ في الشرع، ورَكَنَ إلى التقليدِ، فقد تَرَكَ أهمَّ خصلةٍ تُميزه عن غيرِه.

ثالثًا: أنَّ المجتهدَ عالمٌ بالحكِم الشرعي، وإنْ لم يجتهدْ في المسألةِ؛ وذلكَ بالقوةِ القريبةِ مِن الفعلِ؛ لاجتماعِ شروطِ الاجتهادِ وأدواتِه فيه (١)، وبناءً عليه، فعلى المجتهدِ الاجتهاد، ما لم يتعذرْ عليه.

رابعًا: أنَّ الاجتهادَ كمالٌ، والتقليدَ نقصٌ، والأَولى بالمجتهدِ الأخذ بالكمالِ ما استطاع، وترك ما فيه نقصٌ.

خامسًا: في منعِ المجتهدِ مِن التقليدِ إثراءٌ للشريعةِ الإسلاميةِ؛ بتعددِ الاجتهاداتِ في المسألةِ الواحدةِ، الأمر الذي يؤدي إلى تعددِ الاستدلالاتِ، والجوابِ عن الأدلةِ الضعيفةِ، وكل ذلك يؤدّي إلى نماءِ الفقهِ وازدهارِه.

سادسًا: أنَّ فرضَ المجتهدِ الاجتهادُ، والفرضُ يسقطُ بالعجزِ عنه، وعدمِ القدرةِ عليه (٢)؛ يقول الله تبارك وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (٣)،


(١) انظر: شرح مختصر الروضة (٣/ ٦٣٥).
(٢) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٦/ ٢٤٣).
(٣) من الآية (١٦) من سورة التغابن.

<<  <  ج: ص:  >  >>