للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عَقَدَ القاضي عياضٌ المالكي (١) بابًا في ترجيحِ مذهبِ الإِمام مالكٍ، والحجةِ في وجوبِ تقليدِه وتقديمِه على غيرِه مِن الأئمةِ، وقالَ فيه: "وها نحنُ نُبيِّنُ أنَّ مالكًا - رحمه الله تعالى - هو ذاكَ أي: أولى الأئمة بالاتباعِ والتقليدِ - لجمعِه أدواتِ الإِمامةِ، وتحصيلِه درجةَ الاجتهادِ، وكونه أعلم القومِ، بلْ أهل زمانِه" (٢).

واستمعْ إِليه وهو يتحدثُ عن أئمةِ المذاهبِ الأخرى، فيقول: "أمَّا أبو حنيفةَ والشافعي، فيُسَلَّم لهما حسن الاعتبارِ، وقدقيق النظرِ والقياسِ، وجودة الفقهِ والإِمامة فيه، لكن ليس لهما إِمامةٌ في الحديثِ، ولا معرفة به، ولا استقلال بعلمِه ... وقد ضعفهما فيه أهلُ الصنعةِ! " (٣). ويقولُ أيضًا: "أمَّا أحمد وداود، فإِنَّهما سلكا اتباعَ الآثارِ، ونَكَّبَا عنْ طريقِ الاعتبارِ، لكنَّ داودَ غلا في ذلك، فترك القياسَ جُملةً ... " (٤)، ثُمَّ ساقَ أدلةً مِن النقلِ، ومِن الاعتبارِ والنظرِ تؤيدُ تقديمَ التمذهبِ بمذهبِ الإِمامِ مالكٍ على غيره من المذاهبِ (٥).


= للكوثري (ص/ ٦٦ وما بعدها)، وتأنيب الخطيب له (ص/ ١٤ وما بعدها)، ومقدمة إِعلاء السنن - أبو حنيفة وأصحابه - للتهانوي (١/ ١١ وما بعدها).
(١) هو: عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي، أبو الفضل، ولد بسبتة سنة ٤٧٦ هـ من أعيان مذهب المالكية، كان عالم أهل المغرب، فقيهًا أصوليًا علامةً فاضلًا، وأحد أئمة التفسير والحديث في وقته، زاهدًا ورعًا، عارفًا باللغة وكلام العرب وأنسابهم، شاعرًا مجيدًا، وقد ولي القضاء مدةً، من مؤلفاته: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، وإكمال المعلم في شرح صحيح مسلم، وترتيب المدارك وتقريب المسالك، توفي بمراكش سنة ٥٤٤ هـ. انظر ترجمته في: الصلة لابن بشكوال (٢/ ٤٢٩)، وإنباه الرواة للقفطي (٢/ ٣٦٣)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٣/ ٤٨٣)، وسير أعلام النُّبَلاء (٢٠/ ٢١٢)، والديباح المذهب لابن فرحون (٢/ ٤٦)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (١/ ١٤٠)، والفكر السامي للحجوي (٤/ ٢٢٣).
(٢) ترتيب المدارك (١/ ٥٩ - ٦٧).
(٣) المصدر السابق (١/ ٨٥).
(٤) المصدر السابق (١/ ٩١).
(٥) انظر: المصدر السابق (١/ ٦٨ - ١٥٤). وانظر تعليق الذهبي على كلام القاضي عياض في: سير أعلام النُّبَلاء (٨/ ٩٠ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>