للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتأخرون" (١).

ويقولُ الشيخُ محمدٌ الخضري: "قلَّما تَجِدُ عالمًا يُعْنى بدراستِها - أي: كتب متقدمي المذاهب - أو الاطلاعِ عليها، بلْ تجدُ كبارَ العلماءِ لا يَسْمَعُون بأسمائِها ... " (٢).

ولتوضيحِ الحالةِ المذهبيةِ في تلك القرونِ في بعضِ الأقاليم أذكر ما نقله أحمدُ الونشريسي (ت: ٩١٤ هـ) (٣) عن بعضِ فقهاءِ عصرِه في وصفِ الحالةِ العلميةِ والمذهبيةِ لبلادِ المغرب، فيقول: "إنَّ اتّباعَ أهلِها لمذهب مالكِ - رضي الله عنهم -، والتزامَهم الأخذَ بقولِه وقولِ أصحابِه، ومَنْعَ ملوكِها وأمرائَها الناسَ مِن الخروجِ عنه، أمرٌ هو مِن الشُّهرةِ بحيثُ لا يحتاجُ إلى استشهادٍ عليه، حتى إنَّه لم يُحْفَظْ عن أحدٍ مِن أهلِ العلم بالمغرب الخروجُ مِنْ مذهب مالكٍ! ولا الأخذُ بغيرِه مِن المذاهب، وكلُّ مَنْ رام شَيئًا مِن ذلك، أو جَنَحَ إليه، لقيَ مِن الإنكارِ لعلمِه، والتسفيهِ لحِلمِه ما لم يكن له به قِبَل ... " (٤).

وقد بَرَزَ في هذه الحقبةِ الزمنيةِ عددٌ من محققي المذاهب، منهم من عُنِيَ بتحقيقِ مذهبِه، ومنهم مَنْ أضافَ إليه العنايةَ بالنظرِ في الأدلةِ، ومِن هؤلاءِ: تقيُّ الدّينِ السبكي الشافعي (ت: ٧٥٦ هـ)، وجمالُ الدّينِ الزيلعي


(١) نقل كلامَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب ابنُ قاسم في: المصدر السابق، وكلام الشيخ محمد وإن كان في أمور الاعتقاد، إلا أنَّ ما ذكره على لسان مخالفيه صالح للمقام الذي أتحدثُ عنه.
(٢) تاريخ التشريع الإسلامي (ص/ ٣٦٨).
(٣) هو: أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد الونشريسي، أبو العباس، ولد بونشريس بالجزائر سنة ٨٣٤ هـ من علماء المالكية المبرزين، كان فقيهًا أصوليًا علامةً محققًا ورعًا زاهدًا، فصيح اللسان والقلم، أحاط بمذهبه، وحمل لواءه، وقد أكب على تدريس المدونة، ومختصر ابن الحاجب الفروعي، من مؤلفاته: المعيار المعرب، وعدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق، وإيضاح المسالك إلى قواعد مذهب الإمام مالك، والفائق في أحكام الوثائق، توفي بفاس سنة ٩١٤ هـ. انظر ترجمته في: درة الحجال لابن القاضي (١/ ٩١)، ونيل الابتهاج للتنبكتي (ص/ ١٣٥)، وفهرس الفهارس والأثبات للكتاني (٢/ ١١٢٢)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (١/ ٢٧٤).
(٤) المعيار المعرب (٢/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>