للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الدلالة من الحديث: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سمَّى اتِّباعَ مَنْ دونه في التحليلِ والتحريمِ عبادةً، وكلُّ مَنْ قلَّد عالمًا، وتمذهبَ بمذهبِه - والعالمُ يخطئُ ويصيبُ - فلا بُدَّ له ضرورةً أنْ يستحلَّ حرامًا، ويحرِّمَ حلالًا (١)، فيُنهى عنه، والتمذهبُ داخلٌ تحتَ الصورةِ المنهي عنها (٢).

يقولُ الشيخُ محمد صديق القنوجي: "إِنَّ طاعةَ المتمذهبِ لمنْ يقتدي بقولِه، ويستن بسنتِه مِنْ علماءِ هذه الأُمّةِ، مع مخالفتِه لما جاءَت به النصوصُ ... هو كاتخاذِ اليهودِ والنصارى للأحبارِ والرهبانِ أربابًا مِنْ دون الله؛ للقطع بأنَّهم لم يعبدوهم، بلْ أطاعوهم، وحرّموا ما حرموا، وحللوا ما حللوا" (٣).

مناقشة الدليل الأول: يمكنُ أنْ يُناقش الاستدلالُ بالحديثِ: بأنَّ الصورةَ الَّتي يصدقُ عليها وصفُ العبادةِ هي: إِمَّا أَخْذُ قولِ عالمِ في تحليلِ ما حرَّمه اللهُ تعالى، والآخذُ يَعْلَمُ حرمتَه، أو أخذُ قولِ العالمِ في تحريمِ ما أحلَّه الله، والآخذُ يعلمُ حلَّه، وإِمَّا أخذُ قولِ عالمِ مع إِضمارِ الآخذِ في نفسِه عدم تركِ قولِ العالمِ، وإنْ ظَهَرَ الدليلُ على خلافِه.

لأنَّ في هاتين الصورتين تقديمًا لرأي العالم على حكمِ الله القاطعِ؛ كما لو قلَّدَ المجتهدُ شخصًا في حكمٍ يقطعُ المجتهدُ بخطئِه (٤).

أمَّا صورةُ أخذِ أقوالِ عالمٍ فيما لا يُعلمُ خطؤه ومخالفتُه لحكمِ الله تعالى، فلا يظهرُ دخولها تحتَ معنى العبادةِ.


(١) انظر: الإِحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٦/ ١٣٣، ١٤٤، ١٤٨)، وإيقاظ أولي الأبصار لصالح الفلاني (ص/ ٣٤)، والدين الخالص للقنوجي (٤/ ١١٢)، وعون الباري له (١/ ١٦٣).
(٢) ليس كل أرباب القول الأول يستدل بهذا الدليل، وإنما يستدل به من يرى المنع من التمذهب عمومًا.
(٣) الدين الخالص (٤/ ١١٢). وانظر: فتح القدير للشوكاني (٢/ ٣٥٣).
(٤) انظر: حجة الله البالغة للدهلوي (١/ ٤٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>