للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في السيرةِ والفَضْلِ، وهذا لا يدلُّ على تفضيلِ تقليدِهم، أو التمذهب لهم (١).

الدليل الثالث: إِذا جازَ التمذهبُ بمذهبِ أحدٍ مِنْ الأئمةِ الأربعةِ، فجوازه للصحابي والتابعي البالغِ رتبة الاجتهادِ مِنْ بابٍ أولى؛ لمزيتهم عن سائرِ المجتهدين (٢).

ويمكن أن يناقش الدليل الثالث: بأنَّ ما ذكرتموه مِنْ أنَّ مجتهدي الصحابةِ - رضي الله عنهم - والتابعين أولى مِن الأئمةِ الأربعةِ، أمرٌ مسلَّمٌ، فهم أعلى شأنًا ممَّنْ بعدهم، لكنَّنا نمنعُ التمذهبَ بمذاهبِهم؛ لأمرٍ خارجٍ، وهو عدمُ اكتمالِ المنظومةِ المذهبيةِ لهم، فليسَ لأحدِهم مذهبٌ محررٌ مكتملُ الأصولِ والفروعِ، ولم يأتِ لهم أتباعٌ يقومون بذلك.

* الموازنة والترجيح:

مِنْ خلالِ النظرِ في القولين، وما استدلوا به، يظهرُ لي أنَّ الراجحَ في مسألةِ: (التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي) هو جوازُ التمذهبِ بمذاهبِهم - وهذا على سبيل التنظير - لأنَّه إِذا جازَ التمذهبُ بمذهبْ أحدٍ مِن الأئمةِ الأربعةِ، فإِنَّه يجوزُ التمذهبُ بمذهبِ الصحابي والتابعي؛ لأنَّهم مجتهدون.

ويبقى النظرُ في إِمكانِ التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي، والذي يظهرُ لي عدم إِمكانِه إِلَّا بمشقةٍ بالغةٍ؛ ذلك أن التمذهبَ عبارةٌ عن منظومةٍ متكاملةٍ، ومدرسةٍ فقهيةٍ أصوليةٍ، تشملُ القواعدَ والأصولَ والفروعَ؛ ليتمكنَ المتمذهبُ مِن الالتزامِ بالمذهبِ، والسيرِ على أصولِه، وبيانِ حكم الحوادث في ضوءِ أصولِ مذهبِه وفروعِه، وهذه المنظومةُ المتكاملةُ مفقودةٌ


(١) انظر: المصدرين السابقين.
(٢) انظر: منع الموانع لابن السبكي (ص / ٤٥٠)، والبحر المحيط (٦/ ٢٨٨)، والفتاوى الكبرى الفقهية للهيتمي (٤/ ٣٠٧)، وتعليق محقق سلاسل الذهب (ص/ ٤٥١)، حاشية رقم (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>