في جانبِ الصحابةِ - رضي الله عنهم - والتابعين - وليس معنى هذا أنهم يفتون دونَ أصولٍ، كلا، بل المرادُ أنَّ أصولَهم غيرُ محررةٍ ولا مدونة لمنْ بعدهم - وإِيجادُها في مذهبِ الواحدِ منهم فيه مِن المشقةِ ما فيه.
ومن جهة أخرى: فإِنَّ الفائدةَ المرجوةَ مِنْ إِبرازِ أصولِ الواحدِ مِن الصحابة والتابعين وقواعده قد تكونُ قليلةً؛ لأنَّ الغالبَ موافقةُ المذاهبِ الأربعةِ لأصولِ الصحابةِ والتابعين، في الجملة؛ إِذ أصولُ المذاهبِ الأربعةِ مستقاةٌ مِن مدارس الصحابةِ وتلامذتِهم.
وما ذكرتُه آنفًا لا يُقللُ مِنْ شأنِ أقوالِ الصحابة - رضي الله عنهم - ولا مِنْ شأنِ أقوالِ التابعين، فإِنَّ أخذَ أقوالهم مسألةٌ أخرى تختلفُ عمَّا أتحدثُ عنه.
• سبب الخلاف:
بتأمَّلِ المسألةِ بأقوالها وأدلتِها، يظهرُ لي أنَّ للخلافِ فيها عدةَ أسباب:
السبب الأول: حكمُ التمذهبِ بمذهبِ عالمٍ على سبيلِ العمومِ؟
فمَنْ قال: إِنَّ التمذهبَ - بغضِّ النظرِ عن إِمامِ المذهب - ممنوعٌ منه، مَنَعَ التمذهبَ بمذهب الصحابي والتابعي، وهذا ما سارَ عليهَ بعضُ أصحاب القولِ الأولِ.
ومَنْ قال: إِنَّ التمذهبَ جائزٌ، اختلفوا في التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي: فمنهم مَنْ أجازه، ومنهم مَنْ مَنَعَه؛ لعدمِ إِمكَانِ تطبيقَ التمذهب على الوجهِ الحقيقي.
السبب الثاني: هلْ يجوزُ الانتقالُ بين المذاهبِ؟
فمَنْ قال: لا يجوزُ الانتقالُ بين المذاهب، مَنَعَ التمذهبَ بمذهب الصحابي والتابعي، وهذا ما سارَ عليه أصحابُ القولِ الأولِ.