للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتبِه، مِنْ ذلك قولُه: "فإِنَّهم - أيْ: أهل التقليد لإِمامِهم - ما داموا آخذين بالقولِ؛ لانَّ فلانًا قاله، دونَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهم عاصون" (١).

ويقولُ أيضًا: "إِمَّا أنْ يكونَ اعتقده - أيْ: اعتقد المرء شيئًا بغيرِ برهان - لأنَّ بعضَ مَنْ دون النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله، وهذا هو التقليدُ" (٢).

ويقولُ أيضًا: "الشيءُ الَّذي يأمرُ به اللهُ ليس تقليدًا ... والتقليدُ إِنَّما هو اتِّباع مَنْ لم يأمرْنا - عَزَّ وَجَلَّ - باتباعِه، وإنَّما التقليدُ الَّذي نخالفهم فيه: هو أَخْذُ قولِ رجلٍ ممَّنْ دونَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يأمرْنا ربُنا باتباعِه، بلا دليلٍ يصحّحُ قولَه، لكنْ لأنَّ فلانًا قاله فقط" (٣).

وهذا الكلامُ مهمٌّ في تحديدِ التقليدِ الَّذي عابَه ابنُ حزم على المتمذهبين، فما كانَ دون دليلٍ، فهو تقليدٌ، وما كان عن دليلٍ فليس "بتقليدٍ".

ثانيًا: انتقدَ ابنُ حزم بشدّةٍ موقفَ بعضِ المتمذهبين تجاه الأدلةِ النقليةِ، فقال: "أمَّا أهلُ بلادِنا، فليسوا ممَّنْ يتعنّى بطلب دليلٍ على مسائلِهم، وطالبُه منهم في الندرةِ، إِنَّما يطلبُه كما ذكرنا آنفًا (٤)، فيَعْرِضون كلامَ الله تعالى، وكلامَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على قول صاحبِهم - وهو مخلوقٌ مذنبٌ، يخطئُ ويصيبُ - فإِنْ وافق قولُ الله وقولُ رسوله - صلى الله عليه وسلم - قولَ صاحبِهم، أخذوا به، وإِنْ خالفاه تركوا قولَ الله تعالى جانبًا وقوله - صلى الله عليه وسلم - ظهريًا، وثبتوا على قولِ صاحبِهم" (٥).

ويقولُ أيضًا: "مَنْ اتخذ رجلًا إِمامًا، يَعْرِض عليه قولَ ربه تعالى، وقولَ نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فما وافق فيه قولَ ذلك الرجل قَبِلَه، وما خالفه تَرَكَ قولَ ربِّه


(١) الإِحكام في أصول الأحكام (٦/ ٦٠).
(٢) المصدر السابق، وانظر منه: (٦/ ١١٦).
(٣) المصدر السابق (٦/ ٦٩ - ٧٠).
(٤) الَّذي قاله قبل كلامه: "فإِنَّهم - أي: مقلدي الأئمة - إِنَّما يأخذون من الحِجَاج ما وافق مذهبهمِ - وإِن كان خبرًا موضوعًا، أو شغبًا فاسدًا - ويتركون ما خالفه، وإن كان نص قرآن، أو خبرا مسندًا من نقل الثقات". المصدر السابق (٦/ ١١٧).
(٥) المصدر السابق (٦/ ١١٧ - ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>