للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قيل: هذا غلطٌ لوجوه، أحدها: أن إظهار فعله وتدبير ملكه عام في كل الأزمان والأحوال، فلا فائدة بتخصيصه في تلك الليلة التي أسرى به. اهـ

والثاني: إن جاز تأويله على إتيان الأفعال والملك، جاز حمل قوله: "إنكم ترون ربَّكم يوم القيامة" على رؤية أفعاله وملكه، وقد أجمعنا ومثبتوا الصفات على خلاف ذلك.

الثالث: أنه وصفه بالصورة ووضع الكف بين كتفيه، وهذه الصفة لا تتصف بها الأفعال والملك، فأما قوله {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل: ٢٦] فالمراد به أفعاله، لأن في الآية ما دلَّ عليه، وهو خراب الديار بقوله {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ} [النحل: ٢٦] (١).

وأما قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: ٢١٠] المراد به الذات على أصولنا، لأن حمله على الأمر يُسقط فائدة التخصيص بذلك اليوم، لأن أمره سابق لإتيانه، ولأن إنْ جاز حمله على هذا، جاز حمل قوله "إنكم ترون ربكم يوم القيامة" على رؤية أمره وملكه.

١١٩ - فإن قيل: فقد روي عن ابن عباس في قوله {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} قال: يأتيهم بوعده ووعيده.

قيل له: ولم يقل إنه لا يأتي ذاته، فيحتمل أن يكون تأتي ذاته بوعده


(١) أخرج ابن جرير (١٤/ ٦٧) عن قتادة في هذه الآية قوله: إي والله، لأتاها أمر الله من أصلها فخر عليهم السقف من فوقهم، والسقف أعالي البيوت، فأتفكت بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. وإسناده حسن.
قال ابن جرير: وقال آخرون: عني بقوله (فخر عليهم السقف من فوقهم) يقول: عذابٌ من السماء لما رأوه استسلموا وذلوا.
قال: وأولي القولين بتأويل الآية قول من قال معنى ذلك: تساقطت عليهم سقوف بيتهم، إذ أتى أصولهم وقواعدها أمر الله فأتفكت بهم منازلهم، لأن ذلك هو الكلام المعروف من قواعد البنيان وخر السقف، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأشهر الأعرف منها، أولى من توجيهها إلى غير ذلك، ما وجد إليه سبيل. اهـ

<<  <   >  >>