للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قيل: هذا غلط، لأن في الخبر أنه قال: "فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفونها فيقولون: نعوذ بالله منك، ثم يأتيهم في الصورة التي يعرفونها فيقولون أنت ربنا ويتبعونه" وهذا الفرق بين الصورتين لا يكون عن تغير يقع في العين وإنما يكون عن تميز صحيح.

فإن قيل: لابد من حمل الخبر على نوع مما ذكرنا، لاستحالة أن يكون الله سبحانه على صور كثيرة يجهلونه مرة ويعرفونه أخرى، أو يكون ممن يحل الصور فتنتقل الصور به، لاستحالة أن يكون حالًا أو محلًّا للصور أو مصور، فلم يبق إلا أن يكون تغير الصور راجعًا إلى الملك والفعل، أو تكون الصورة بمعنى الصفة، كما يقول القائل: عرفني صورة هذا الأمر أي صفته فيحصل تقدير ما يظهر لهم من بطشه وشدة بأسه يوم القيامة، وقد عرفوه حليمًا غفارًا كريمًا، فيظهر لهم منها قولا (١) "أنا ربكم" فيقولون عند ذلك "نعوذ بالله منك، مستعيذين بالله، هذا مكاننا حتى يأتينا" بمعنى حتى يظهر رحمته وكرمه، فيأتيهم بعد ذلك في الصورة التي يعرفونها من العفو والمغفرة.

قيل: هذا غلط، لأنه لا يجب حمله على شيء مما ذكروه، لأنَّا نطلق صفة الإتيان لا عن انتقال، ونطلق الصورة لا على وجهه التشبيه، كما أطلقنا تسمية نفس وذات ووجه ويد.

أما تغير الصورة فليس بتغير، لأنه لا يمتنع أن يكون جميع ذلك صفات له يحجبهم عن النظر إلى شيء منها في حال، ويريهم إياها في حال أخرى، كما جاز أن يريهم ذاته في حال ويمنعهم ذلك في حالة أخرى، وإذا كان كذلك لم يجز منه ما قالوه من تغير الصور عليه.


(١) كذا في الأصل: قولا، ولعل الصواب: قولُ.

<<  <   >  >>