وقد أجمع أهل القبلة: أن إثبات الباري سبحانه: إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وكيفية، هكذا اعتقد الوالد السعيد وكمن قبله ممن سلفه من الأئمة: أن إثبات الصفات للباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وكيفية، وأنها صفات لا تشبه صفات البرية، ولا تدرك حقيقة علمها بالفكر والروية.
فاعتقدوا: أن الباري -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فرد الذات، متعدد الصفات. لا شبيه له في ذاته، ولا في صفاته، ولا نظير ولا ثاني. وسمعوا قوله -عَزَّ وَجَلَّ- {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} فآمنوا بما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تسليمًا للقدرة، وتصديقًا للرسل، وإيمانًا بالغيب.
واعتقدوا: أن صفات الباري سبحانه معلومة من حيث أعلم هو، غيب من حيث انفرد واستأثر، كما أن البارئ سبحانه معلوم من حيث هو، مجهول ما هو.
واعتقدوا: أن الباري سبحانه استأثر بعلم حقائق صفاته ومعانيها عن العالمين، وفارق بها سائر الموصوفين، فهم بها مؤمنون، وبحقائقها موقنون، وبمعرفة كيفيتها جاهلون، لا يجوز عندهم ردها، كرد الجهمية، ولا حملها على التشبيه، كما حملته المشبهة، الذين أثبتوا الكيفية، ولا تأولوها على اللغات والمجازات، كما تأولتها الأشعرية.