للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ضرب الأمير اللص، وإنما أَمَرَ بضربه.

قيل: هذا غلطٌ، لأن الخبر يقتضي أنَّ آدم مخلوقٌ من القبضة، وقد ثبت أنَّ الخالق لآدم هو الله سبحانه، فوجب ان يكون هو القابض لا غيره، ولأنه إن جاز تأويله على هذا، جاز تأويل قوله {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] معناه بيدي بعض الملائكة (١).

واعلم أنه ليس بمنكر في العقول، أن يكون الله خلق طينة آدم من أجزاء أنواع الطين، وأنَّ الأخلاق والخَلْق اختلفت وتفاوتت كما تفوت أجزاء الطين، لا لأجل أنَّ تفاوتها أوجب ذلك بل حدوثها على تلك الوجوه التي حدثت عليه بقدرة الله واختياره، لكنه جعلها علامات لربوبيته ووحدانيته.

* * *


(١) قال الدارمي في نقضه على المريسي (ص ٢٩ - ٣٠): وقد يجوز للرجل أن يقول بنيت دارًا، أو قتلت رجلًا أو ضربت غلامًا، أو وزنت لفلان مالًا، أو كتبت له كتابًا، وإن لم يتول شيئًا من ذلك بيده، بل أمر البناء ببنائه، والكاتب بكتابته، والقاتل بقتله، والضارب بضربه، والوازن بوزنه، فمثل هذا يجوز على المجاز الذي يعقله الناس بقلوبهم، على مجاز العرب. وإذا قال: كتبت بيدي كتابا كما قال الله: خلقت آدم بيديّ، أو قال وزنت بيدي، وقتلت بيديّ، وبنيت بيديّ، وضربت بيديّ، كان ذلك تأكيدًا ليديه، دون يدي غيره.
ومعقول المعنى عند العقلاء، كما أخبرنا الله: أنه خلق الخلائق بأمره فقال {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)} [النحل: ٤٠]، فعلمنا أنه خلق الخلائق بأمره وإرادته وكلامه وقوله "كن" وبذلك كانت، وهو الفعال لما يريد.
فلما قال: خلقت آدم بيدي، علمنا أن ذلك تأكيد ليديه، وأنه خلقه بهما مع أمره وإرادته، فاجتمع مع آدم تخليق اليد نصًا، والأمر والإرادة، ولم يجتمع في خلق غيره من الروحانين. اهـ.
تنبيه: كذا وقع في الموضعين "خلقت أدم بيدي" والآية {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥].

<<  <   >  >>