فإن قيل: يحمل قوله خمَّر وخلط على ما تقدم في الخبر الذي قبله، وهو أنه خمرَّها وخلطها بملكه وقدرته، أو أمر بعض المخلوقين من ملائكته بفعل ذلك.
قيل: هذا غلطٌ، لما تقدَّم من الجواب في الخبر الذي قبله، وهو أنَّ فيه إسقاط فائدة التخصيص لأنَّ قدرته تَعُم سائر الأشياء. ولأنَّ للقدرة اسمًا أخصّ به، ولأنَّه إن جاز ذلك ها هنا، جاز في قوله (خلقت بيديَّ).
فإن قيل: إنما لم يحمل قوله (خلقت بيديَّ) على القدرة، لأنَّ فيه إبطال تفضيل آدم على إبليس، وليس في حمله ها هنا على القدرة إبطال ذلك.
قيل: في حمله على القدرة ها هنا إبطال فضيلة آدم أيضًا، لأنه من هذه الطينة خُلِقَ، ولا يصح حمله أيضًا على يد بعض المخلوقين ولا القدرة، لما ذكرنا في الخبر الذي قبله، ولأنَّ في الخبر ما يُسقط ذلك، وهو قوله "فخرج كل طيب في يمينه وكلُ خبيثٌ في يده الأخرى"، وهذا صريحٌ في إبطال القدرة، لأن القُدرة، لا توصف باليمين والشمال، ولأنَّ يد غير الله سبحانه لا توصف بأنه يخرج منها الخبيثُ والطيب، لأن هذا ابتداء خلق، وهو مما يختص الله به سبحانه.
فغن قيل: يحمل قوله "فخرج كل طيب بيمينه" أي بما أنْعَم عليه من توفيقه وتسديده، وكل خبيث في اليد الأخرى بما حُرِمَه من معونته ونصرته، والعرب تستعمل لفظة اليمين على معنى الحظِّ والجدِّ، كما قال القائل:
إذا ما رايةٌ رُفعت لمجدٍ … تلقَّاها عرابة باليمين (١)
أي بجدٍ وحظِّ.
قيل: لا يصح، لأنَّ الكلام يجب أنْ يرجع إلى ما تقدم ذكره، والذي تقدم