وأما قولك "تأكيد للخلق" فلعمري إنه لتأكيد جهلت معناه فقلبته، إنما هو تأكيد اليدين وتحققهما، وتفسيرهما، حتى يعلم العباد أنه تأكيد مسيس بيد، لما أن الله تعالى قد خلق خلقًا كثيرا في السماوات والأرض أكبر من آدم وأصغر، وخلق الأنبياء والرسل، وكيف لم يؤكد في خلق شيء منها ما أكد في آدم. إذا كان أمر المخلوقين في معنى يد الله كمعنى آدم عند المريسي. فإن يك صادقًا في دعواه فلْيُسمّ شيئًا نعرفه، وإلا فإنه الجاحد بآيات الله، المعطل ليدي الله. وادعى الجاهل المريسي أيضًا في تفسير التأكيد من المحال ما لا نعلم أن أحدًا ادّعاه من أهل الصلاة. فقال: هذا تأكيد للخلق، لا لليد، كقول الله تعالى {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٦]. فيقال لهذا التائه الذي سلب الله عقله وأكثر جهله: نعم هو تأكيد لليدين، كما قلنا، لا تأكيد للخلق. كما أن قوله (تلك عشر كاملة) تأكيد للعدد لا تأكيد للصيام. لأن العدد غير الصيام، ويد الله غير آدم. فأكَّد الله لآدم الفضيلة التي كرمه وشرفه بها، وأثره على جميع عباده. إذ كل عباده خلقهم بغير مسيس بيد، وخلق آدم بمسيس: فهذه عليك لا لك. وقد أخذنا فألك من فيك، محتجين بها عليك كالشاة التي تحمل حتفها بأظلافها. فإن أجاب هذا المريسي أعلمناه أن تأكيد الخلق -إن كان جاهلًا به- هو قول الله {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨] {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٩)} [الآية السجدة: ٧ - ٩] وقوله {خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} الآية {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: ٦٤] {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)} [التين: ٤]، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)} [المؤمنون: ١٢ - ١٤] فهذا تأكيد الخلق وتفسيره، لا ما ادعى الجاهل. وقوله {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} تأكيد يديه لا تأكيد خلق آدم. وما كان حاجة إبليس إلى أن يؤكد الله له خلق آدم، وقد كان من أعلم الخلق بآدم" رآه قبل أن ينفخ فيه الروح طينا مصورًا مطروحًا بالأرض. ثم رآه بعد ما نفخ فيه الروح ثم كان معه في الجنة حتى وسوس إليه فأخرجه منها. ثم كان يراه إلى أن مات. فإنما أتم الله له =