للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

على العرش معناه العلو عليه، ومعلوم أن العلو غير السفل، ولم يوجب ذلك وصفه


= من أمر آدم ما لم ير، لا ما رأي. لأنه لم ير يدي الله وهما تخلقانه. فليعلم الجاهل المريسي بأنا ما ظننا أن عنده من رثاثة الحج والبيان، وقلة الإصابة والبرهان، قدر ما كشف عنه هذا الإنسان. والحمد لله الذي أنطق بها لسانه، وعرف الناس شأنه، ليعرفوه فيجافوا مكانه. وقال: ولو لم يكن لله يدان بهما خلق آدم ومسه بهما مسيسًا. كما ادعيت لم يجز أن يقال {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: ٢٦] {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} [الحديد: ٢٩] {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: ١] للمذهب الذي فسرنا. فإن كنت لا تحسن العربية فسل من يحسنها ثم تكلم.
وقد يجوز للرجل أن يقول: بنيت دارًا، أو قتلت رجلًا، أو ضربت غلامًا، أو وزنت لفلان مالًا، أو كتبت له كتابًا، وإن لم يتول شيئًا من ذلك بيده، بل أمر البناء ببنائه، والكاتب بكتابته، والقاتل بقتله، والضارب بضربه، والوازن بوزنه. فمثل هذا يجوز على المجاز الذي يعقله الناس بقلوبهم، على مجاز كلام العرب وإذا قال: كتبت بيدي كتابا كما قال الله: خلقت آدم بيدي. أو قال: وزنت بيدي، وقتلت بيدي، وبنيت بيدي، وضربت بيدي. كان ذلك تأكيدًا ليديه، دون يدي غيره. ومعقول المعنى عند العقلاء، كما أخبرنا الله: أنه خلق الخلائق بأمره. فقال {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)} [النحل: ٤٠]، فعلمنا أنه خلق الخلائق بأمره وإرادته وكلامه، وقوله "كن" وبذلك كانت، وهو الفعال لما يريد.
فلما قال خلفت آدم بيدي - علمنا أن ذلك تأكيد ليديه. وأنه خلقه بهما مع أمره وإرادته فاجتمع مع آدم تخليق اليد نصا والأمر والإرادة. لم يجتمعا في خلق غيره من الروحانيين. لأن الله لم يذكر أنه مس خلقًا ذا روح بيده غير آدم، إذ لم يذكر ذلك في أحد ممن سواه. ولم يخص به بشرًا غيره من الأنبياء وغيرهم.
ولو كان على ما تأولت أنه أراد بيديه أنه ولي خلقه فاكده، لكان لإبليس إذا فيما احتج به الله عليه من أمر اليدين لآدم بذلك فضل وفخر، إذ ولي خلق إبليس في دعواك كما ولي خلق آدم سواء، وأكده كما أكده. ولو كان ذلك على ما تأولت لحاجّ إبليس ربه، كما حاجه حين قال {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: ٧٦]، وكما قال: {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: ٣٣] فيقول خلقتني أيضًا يا رب بيديك، على معنى ما خلقت به آدم، أي وليتَ خلقي.
فأكذبه في دعواه. ولكن كان الكافر الرجيم، أجود معرفة بيدي الله منك أيها المريسي، بل علم عدو الله إبليس، أنه لو احتج بها على الله لأكذبه. اهـ
تنبيه: وقعت آية الحجر السابقة في النقض المطبوع: أأسجد لبشر … ، وهو خطأ.

<<  <   >  >>