للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالجهة! وإن كان العلو جهة في الشاهد، وإن لم يكن هذا معقولًا في الشاهد.

ونظير هذا الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- في الرحم (١) يأخذ بحقو الرحمن، قد أخذ أحمد بظاهره من غير قول بمماسة ولا جهة.

فإن قيل: مجاهد وابن سيرين ليسا بحجةٍ، ولا ممن يثبت بقولهما صفات لله تعالى؟!

قيل: إثبات الصفات لا تؤخذ إلا توقيفًا، لأنه لا مجال للعقل والقياس فيه، فإذا رُوي عن بعض السلف فيه قولًا، عُلم أنه قاله توقيفًا.

فإن قيل: قوله "كن أمامي وخلفي" معناه حاسب نفسك قبل أن أُسائلك فيقول داود: أخاف أن تدحضني خطيئتي إن حاسبت نفسي، فيقول له خُذ بقدمي أي بما قدمت لك من العفو والغفران، ودع ما أسأت إلي ولا تأخذ به، ومنه قوله تعالى {تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: ١] أي لا تسبقوا قبل حكم الله عليكم في الشيء، ولم يرد به التقدم في الأمكنة، وكذلك قوله {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [الأمام يطلق على محاسبته فلا يصح، لأن الله سبحانه قد أخبرنا بالقرآن بقوله {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} والمحاسبة لا تكون مع الغفران، وإذا امتنع حمله على المحاسبة امتنع حمل القدم على المغفرة، وأما قوله {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ}


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٣٣٠) والبخاري (٨/ ٥٧٩ - ٥٨٠) (١٠/ ٤١٧) (١٣/ ٤٦٥ - ٤٦٦) ومسلم (٤/ ١٩٨٠ - ١٩٨١) عن معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحمُ فأخذت بِحَقْوِ الرحمن، فقال له: مَهْ، قال: هذا مقامُ العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصِلَ من وصَلَك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذاك، قال أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢)} [محمد: ٢٢].
والحقو: معقد الإزار، وهو الموضع الذي يُستجار به ويُجتزم على عادة العرب، لأنه من أحق ما يحامي عنه ويدافع، كما قالوا: نمنعه ما نمنع منه أزرنا. (قاله القاضي عياض).

<<  <   >  >>