وتارة يفوِّضون معانيها، ويقولون: تجري على ظواهرها، كما فعله القاضي أبو يعلي وأمثاله في ذلك.
وتارة يختلف اجتهادهم، فيرجّحون هذا تارة وهذا تارة، كحال ابن عقيل وأمثاله.
وهؤلاء قد يُدخلون في الأحاديث المشكلة ما هو كذبٌ موضوع، ولا يعرفون أنه موضوع، وما له لفظ يدفع الإشكال، مثل أن يكون رؤيا منام، فيظنونه كان في اليقظة ليلة المعراج.
ومن الناس من له خبرة بالعقليات المأخوذة عن الجهمية وغيرهم، وقد شاركهم في بعض أصولها، ورأى ما في قولهم من مخالفة الأمور المشهورة عند أهل السنة، كمسألة القرآن والرؤية، فإنه قد اشتهر عند العامة والخاصة أن مذهب السلف وأهل السنة والحديث: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يُرى في الآخرة، فأراد هؤلاء أن يجمعوا بين نصر ما اشتهر عند أهل السنة والحديث، وبين موافقة الجهمية في تلك الأصول العقلية، التي ظنها صحيحة؟! ولم يكن لهم من الخبرة المفصَّلة بالقرآن ومعانيه، والحديث وأقوال الصحابة، ما لأئمة السنة الحديث، فذهب مذهبًا مركَّبًا من هذا وهذا، وكلا الطائفتين ينسبه إلى التناقض.
وهذه طريقة الأشعري وأئمة اتباعه، كالقاضي أبي بكر، وأبي إسحاق الإسفراييني وأمثالهما. ولهذا تجد أفضل هؤلاء، كالأشعري، يذكر مذهب أهل السنة والحديث على وجه الإجمال، ويحكيه بحسب ما يظنه لازمًا، ويقول: إنه يقول بكل ما قالوه، وإذا ذكر مقالات أهل الكلام، من المعتزلة وغيرهم، حكاها حكاية خبير بها، عالم بتفصيلها.