للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

اعلم أن الكلام في هذا الخبر في فصلين: أحدهما في إثبات الذراعين والصدر، والثاني في خلق الملائكة من نوره.

أما الفصل الأول: فإنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الذراعين والصَّدر، إذ ليس في ذلك ما يُحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه، لأنا لا نُثبت ذراعين وصدرًا هي جوارح وأبعاض، بل نُثبت ذلك صفة كما أثبتنا اليدين والوجه والعين والسمع والبصر، وإن لم نعقل معناه.

فإن قيل: عبد الله بن عمرو لم يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما هو موقوف عليه فلا يلزم الأخذ به.

قيل: إثبات الصفات لا يؤخذ إلا توقيفًا، لأن لا مجال للعقل والقياس فيها، فإذا رُوي عن بعض الصحابة فيه قول، علم أنهم قالوه توقيفًا.

فإن قيل: فقد قيل إنَّ عبد الله بن عمرو أصاب وسقين يوم اليرموك، وكان فيها من كتب الأوائل مثل "دانيال" (١) وغيره، فكانوا يقولون له إذا حدثهم: حدثنا ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تحدثنا من وسقيك يوم اليرموك فيحتمل أن يكون هذا القول من جملة تلك الكتب فلا يجب قبوله، وكذلك كان وهب بن منبه يقول: إنما ضل من ضل بالتأويل، ويرون في كتب "دانيال" أنه لما علا إلى السماء السابعة فانتهوا إلى العرش، رأى شخصًا ذا وفْرة فتأول أهل التشبيه على أن ذلك ربهم، وإنما ذلك إبراهيم (٢).


(١) دانيال قيل إنه من أنبياء بني إسرائيل، وأن الصحابة وجدوا جسده في بيت مال "الهرمزان" عند فتحهم "تُستَر"، انظر "البداية والنهاية" (٢/ ٤٠ - ٤٢).
(٢) "مشكل الحديث" لابن فورك (ص ٥٢).

<<  <   >  >>