قيل: هذا غلط لوجوه: أحدهما: أنه لا يجوز أن يظن به ذلك لأن فيه إلباس في شرعنا، وهو أنه يروي لهم ما يظنوه شرعًا لنا، ويكون شرعًا لغيرنا، ويجب أن ننزه الصحابة عن ذلك.
والثاني: إنَّ شرعنا وشرع غيرنا سواء في الصفات، لأن صفاته لا تختلف باختلاف الشرائع.
فإن قيل: يحتمل أن يكون ذلك صدرًا وذراعين لبعض خلقه لأنه ذكر الذراعين والصدق مطلقًا، وقد وجد في النجوم ما يسمى ذراعين وصدرًا وتكون الفائدة في ذلك التنبيه على ما في قدرته من المخلوقات، وإنشاء المخترعات (١).
فيل: هذا غلط، لأنه ذكر الذراعين والصدر بالألف واللام، والألف واللام يدخلان للعهد أو للجنس، وليس يمكن حمله على الجنس، لأنه يقتضي كل ذراع وكل صدر، وليس ها هنا معهود من الخلق يشار إليه، فلم يبق إلا أن يحمل عليه سبحانه، لأنه أعرف المعارف، يبين صحة هذا أنه لما أراد تخصيص بعض الملائكة بفضيلة أو حكم عرَّفه باسمه، نحو قوله تعالى:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}[البقرة: ٩٨] وقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣)} [الشعراء: ١٩٣] ونحو ذلك، ولأن حمله على بعض خلقه يُسقط فائدة التخصيص بالملائكة، فلما خصَّ الملائكة بالذكر، علم أنه قَصَد تشريفهم، وإذا حُمل على بعض خلقه لم يكن لهم مزية.
وأما الفصل الثاني: وهو خلق الملائكة من نوره فليس على ظاهره،
(١) المصدر السابق، و"الأسماء والصفات" للبيهقي (ص ٣٤٣).