للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قيل: هذا غلط لما بينَّا، وهو أنَّا لا نَصِفُه بالانتقال من مكان إلى مكان، حتى يجيء منه ما ذكرت، وإنما تلك صفة راجعة إلى العبد، ولأنَّ هذا لا يقتضي كونه في مكان، كما أنَّ إثباته مُستويًا على العرش لم يوجب كونه في مكان، وكذلك رؤيته سبحانه لا تُوجب كونه في مكان، كذلك الدنو منه لا يوجب كونه على مسافة.

فإن قيل: فيجب حمله على أنَّه يُقرِّبه من رحمته وأَمَانِه وتّعطفه ولُطفه، وهذا شائعٌ في اللغة، لأنَّه يقال: فلانٌ قريب من فلان، والمراد به المنزلة وعُلُو الدَّرجة (١).

قيل: هذا غلطٌ لوجهين: أحدهما: أنه راحمٌ له ومتعطف عليه وآمن له، مع عدم الدُّنو كما هو بعد الدنو، فلا يصح حَمْلُه على ما لا يفيد.

والثاني: إنْ جَازَ هذا، جاز لقائلٍ أن يقول في قوله "ترون ربكم" معناه تعطُّفه ورحمته وثوابه.

الفصل الثاني: قوله "يضع عليه كَنَفَه حتى يستره من الناس" فلا نعلم معنى الكنف ما هو فنمرَّ الخبر على ظاهره.

فإن قيل: يحمل ذلك على القرب من المنزلة والدرجة، لأنه يُقال: أنا في كنفِ فلان، وفلانٌ في كنفي، يريد به تعطفه وتوفره (٢).


(١) كذا قال ابن فورك في "مشكل الحديث" (ص ٥٦).
وكذا أوّله النووي في شرح مسلم (١٧/ ٨٧) فقد قال: والمراد بالدنو هنا دنو كرامة وإحسان، لا دنو مسافة، والله تعالى منزه عن المسافة وقربها.
والحافظ في الفتح (١٠/ ٤٨٨).
وسيأتي ما يردُّ هذا في كلام ابن القيم.
(٢) انظر "مشكل الحديث" لابن فورك (ص ٥٧).
وقال النووي في "شرح مسلم" (١٨/ ٨٧): أما كنفه فبنون مفتوحة، وهو ستره وعفوه. وبنحوه قال الحافظ في الفتح (١٠/ ٤٨٨).

<<  <   >  >>