والقول الثاني: إن المراد قرب ملائكته منه، وأضاف ذلك إلى نفسه بصيغة ضمير الجمع على عادة العظماء في إضافة أفعال عبيدها إليها بأوامرهم ومراسيمهم، فيقول الملك: نحن قتلناهم وهزمناهم، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)} وجبرائيل هو الذي يقرؤه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} فأضاف قتل المشركين يوم بدر إليه، وملائكته هم الذين باشروه إذ هو بأمره. وهذا القول هو أصح من الأول لوجوه: أحدها: أنه سبحانه قيَّد القرب في الآية بالظرف وهو قوله {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} فالعامل في الظرف ما فيه قوله {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} من معنى الفعل، ولو كان المراد قربه سبحانه بنفسه لم يتقيد ذلك بوقت تلقي الملكين، ولا كان في ذكر التقييد فائدة، فإن علمه سبحانه وقدرته ومشيئته عامة التعلق. الثاني: أن الآية تكون قد تضمنت علمه كتابة ملائكته لعمل العبد، وهذا نظير قوله {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠)}. الثالث: إن قرب الرب تعالى إنما ورد خاصًّا لا عامًا، وهو نوعان: قربه من داعية بالإجابة، ومن مطيعه بالإنابة، ولم يجيء القرب كما جاءت المعية خاصة وعامة، فليس في القرآن ولا في السنة أن الله قريب من كل أحد، وأنه قريب من الكافر والفاجر، وإنما جاء خاصًا كقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} فهذا قريب من داعية وسائله به، وقال تعالى {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}. ثم قال: والذي عندي أن الرحمة لما كانت من صفات الله تعالى، وصفاته قائمة بذاته، =