ويوضح ذلك أن الإحسان يقتضي قرب العبد من ربه، فيقرب ربه منه إليه بإحسانه، فإنه تقرب منه شبرًا يتقرب منه ذراعًا، ومن تقرب منه ذراعًا تقرب منه باعًا، فهو قريب من المحسنين، بذاته ورحمته قربًا ليس له نظير، وهو مع ذلك فوق سماواته على عرشه، كما أنه سبحانه يقرب من عباده في آخر الليل وهو فوق عرشه، ويدنو من أهل عرفة عشية عرفة، وهو على عرشه، فإن علوه على عرشه من لوازم ذاته، فلا يكون قط إلا عاليًا، ولا يكون فوقه شيء البتة، كما قال أعلم الخلق: "وأنت الظاهر فليس فوقك شيء" وهو سبحانه قريب في علوه، عالٍ في قربه، كما في الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعري قال: كنَّا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير، فقال: "أيها الناس أربعوا على أنفكسم، فإنكم لا تدعون أصّم ولا غائبًا، إنَّ الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" اهـ (من مختصر الصواعق ٢/ ٢٦٧ - ٢٧١ باختصار، وانظر شرح حديث النزول لشيخه ابن تيمية (ص ١٢٤ - ١٤٣). (١) روى حنبل بن إسحاق في كتاب "السنة" نحوه، كما في "شرح حديث النزول" (ص ١٢٧) وهو في مجموع الفتاوى لابن تيمية (٥/ ٤٩٦). (٢) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٧/ ٦٤٥) إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.