للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قيل: هذا غلطٌ، لأنَّه لا يمتنع جواز السؤال عنه، ولا يُفضي إلى الجهة، وجواز الجواب عنه بأنه في السماء (١)، لا يُفضي إلى الوعاء، كما جاز إطلاق القول بأنه عالٍ على العرش ولم يُفْض إلى الجهة، وإنْ كُنّا نعلم أنَّ العلو غير السفل، وكذلك جاز القول برؤيته لا في جهة، وإنْ لم يكن مرئيًا في الشاهد إلا في جهة، كذلك ها هنا، وكذلك الحركة في الجسم، وإنْ لم تكن حالة فيه.

فإن قيل: هذه اللفظة قد تستعمل في السؤال عن المكان فيقال: هو في البيت أم في المسجد؟ وتستعمل في الاستعلام عن المنزلة فيقال: أين فلان منك ومن الأمير؟ وقد تستعمل في الاستعلام للفرق بين الرُّتْبتين فيقولون: أين فلان من فلان، يعني بذلك، في الرّتبة والمنزلة فيحتمل أن يكون قوله "أين الله" استعلامًا لمنزلته وقدره عندها، وفي قبلها، وأشارت أنه في السماء، أي رفيع الشأن عظيم المقدار، على معنى قوله القائل إذا أراد أن يخبر عن منزلة رجل: منزلة فلان في السماء، أي هو رفيع الشأن (٢).

قيل: هذا غلطٌ، لأن الحقيقة في هذه اللفظة أنها استفهام عن المكان دون المنزلة والرتبة، وإنَّما تُستعمل في ذلك على طريق المجازة، فكان حملها على الحقيقة أولى.

وجوابٌ آخر: وهو أنَّه لو كان استفهامًا عن المنزلة لأنْكر عليها جوابها بما يرجع إلى غير ما سألها، فلَّما لم يُنكر ذلك امتنع صحة هذا التأويل.

وجوابٌ آخر: وهو أن الأمة كانت من الطغام (٣)، ولا يُضاف إليها المعرفة بحمل المكان على الرِّفعة وعُلو المنزلة.


(١) في الأصل: بأنه في السماء ولا يفضي، والواو زائدة.
(٢) انظر "مشكل الحديث" لابن فورك (ص ٥٨).
(٣) الطَغَام هم أراذل الناس وأوغادهم (اللسان ٤/ ٢٦٧٧) والمقصود هنا العوام.

<<  <   >  >>