للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قيل: فإذا لم يكن سؤالًا عن المنزلة، لم يبقْ إلا أنه سؤالٌ عن المكان، وأنتم لا تثبتون ذلك. قيل: بل هو سؤالٌ عن كونه في السَّماء لا على وجه الحلول.

فإن قيل: يحتمل أن يكون قولها في السماء معناه: فوقها، كما قال تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة: ٢] معناه عليها، وكذلك قوله تعالى {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] معناه عليها، يُبَيَّن صحة هذا قوله تعالى {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [الأنعام: ٥٠]، فَوَصَفَ نفسه بذلك وقوله {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: ١٨، ٦١] فدلَّ على أنَّه فوق السماء وفوق ما خلق (١).

قيل: هذا غلطٌ لوجوه أحدها: أنَّ هذا يُسقط فائدة التخصيص بالسَّماء، لأنَّه فوق الأشياء كلها فلا معنى لتخصيصه بالسماء، إذا كان المراد به الفوق.

الثاني: أنَّه إنْ جاز أن يُطلق القول بأنَّه فوقَ السماء فوق العرش، ولا يُفضي إلى الجهة، وإنْ كنا نعلم أنَّ الفوق ضد السفلَ، جاز إطلاق القول بأنه في السماء ولا يفضي إلى الجهة.

الثالث: إنما يجب الامتناع من ذلك لو كُنا نقول ذلك على وجه الحد والظَّرف، فأمَّا نحن ونمتنع من ذلك لم يمتنع إطلاق ذلك عليه.

فإن قيل: إن جاز أن تُطلقوا هذا القول، وأنه في السماء لا على وجه الإحاطة والجهة، فأطلقوا القول في الأرض وفي كل مكان، لا على وجه


(١) هذا الوجه صحيح، فإن "في" تأتي في اللغة بمعنى "على".
قال ابن عبد البر رحمهُ اللهُ في التمهيد (٧/ ١٣٠): وأما قوله تعالى {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ} [تبارك: ١٦]، فمعناه من على السماء يعني: العرش، وقد يكون في بمعنى على، ألا ترى إلى قوله تعالى {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: ٧٢] أي: على الأرض، وكذلك قوله {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١]، وهذا كله يعضده قوله تعالى {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: ٤]، وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب. اهـ.

<<  <   >  >>