للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإحاطة والجهة، كما أطلقه النَّجَّار (١) وجماعة من المعتزلة، بمعنى أنه مُدَبِّرٌ فيها وعالمٌ بها، كقولهم: فلانٌ في نبا (٢) داره، معناه: ميرها.

قيل: هذا غلط، لأننا لا نُطلق من ذلك إلا ما ورد به السَّمْعُ، والسمع وَرَدَ بإطلاق ذلك في السماء وعلى العرش، ولم يرد في غير ذلك.

فإن قيل: قد ورد القرآن بذلك، قال تعالى {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: ٣] وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧].

قيل: في هذه الآيات ما دل على أنَّه ليس المراد به الذَّات، لأنَّه قال {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ} فأخبر أنه يعلم سرّنا وجَهرنا الواقعين في السماوات والأرض، إذ هي مَحَالُّ السِّر والجهر، ولهذا لا يجوز الوقف على قوله {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} وإنما الوقف على قوله {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ} (٣)، وكذلك قوله {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى


(١) هو الحسين بن محمد بن عبد الله النجَّار الرازي، رأس الفرقة "النجّارية" من المعتزلة، وإليه نسبتها، وهو من متكلمي "المجبرة" وله مع النظام عدة مناظرات، وأكثر المعتزلة في الري وجهاتها من "النّجارية" وهم يوافقون أهل السنة في مسألة القضاء والقدر، واكتساب العباد، وفي الوعد والوعيد، وإمامه أبي بكر، ويوافقون المعتزلة في نفي الصفات، وخلق القرآن وفي الرؤية قبحهم الله.
له كتب منها "البدل" في الكلام، و"المخلوق"، و"الأرجاء" وغيرها.
(انظر الفهرست (ص ٢٥٤ - ٢٥٥)، مقالات الإسلاميين (ص ٢٨٣ - ٢٨٥)، الملل والنحل (١/ ٨٨ - ٩٠)، الإعلام (٢/ ٢٥٣)).
(٢) النَّبْوُ العُلُوُّ والارتفاع، وقد نبا، والنَّبْوَة والنَّباوةُ والنَّبِيُّ: ما ارتفع من الأرض، قاله ابن سيده (اللسان ٦/ ٤٣٣٣).
(٣) قال ابن كثير (٢/ ١٢٣): اختلف مفسرو هذه الآية على أقوال بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية القائلين -تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا- بأنه في كل مكان، حيث حملوا الآية على ذلك فالأصح من الأقوال أنه المدعو الله في السماوات وفي الأرض، أي يعبده =

<<  <   >  >>