للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

البدر، ولا يتخالجكم فيه رَيْبٌ وظن، كذلك ترون الله -عز وجل- يوم القيامة معاينة يحصل معها اليقين.

وأما قوله: "لا تَضَامُّون في رُؤيته" (١) بالتشديد فقيل معناه: لا يَنْضم بعضكم إلى بعض، كما تَنْضَمُّون في رؤية الهلال رأس الشهر، بل تَرونه جهرةً من غير تكلفٍ لطلب رؤيته، كما ترون البدر -وهو القمر ليلة الرابع عشر- إذا عَايَنه المُعاين جهرةً لم يحتج إلى تكلف في طلب رؤيته.

وأما قوله: "لا تَضَامُون" مُخَفَّف فالمراد به الضَّيم، أي: لا يلحقكم فيه ضيم، والضيم والضرَّر واحد في المعنى. وأما قوله: "لا تضارُّون" أي لا يلحقكم ضَرَرٌ في رؤيته بتكلُّف طلبها كما يلحق المشقَّة والتَّعب في طلب ما يخفى ويدق ويغمض (٢).

وكل ذلك تحقيق لرؤية المُعانية، وأنها صِفَة تزيد على العلم.

فإنْ قيل: معناه رؤية العلم، وأنَّ المؤمنين يعرفون الله يوم القيامة ضرورة.

قيل: هذا غلط، من قِبَلِ أنَّ الرؤية إذا كانت بمعنى: العلم، تَعَدَّت إلى مفعولين، وذلك كما يقول القائل: رأيتُ زيدًا فقيهًا، أي علمته كذلك، فأمَّا إذا قال: رأيتُ زيدًا مطلقًا، فلا يُفهم منه إلا رؤية البصر، وقد حَقَّق ذلك بما أكَّده من تشبيه برؤية القمر ليلة البدر، وذلك رُؤية البصر لا رؤية علم.


(١) انظر النهاية في "غريب الحديث والأثر" (٣/ ١٠١) لابن الأثير، وقال: ويجوز ضمُّ التاء وفتحها على تُفَاعِلون وتَتَفاعلون، وقال: الضَّيم: الظُّلم.
(٢) في النهاية (٣/ ٨٣) قال: يُروى بالتشديد والتخفيف، فالتشديد بمعنى: لا تتخالفون ولا تتجادلون في صحة النظر إليه، لوضوحه وظُهوره.
ونقل عن الجوهري قوله: يقال أَضَرني فلان: إذا دنا مني دُنُوًّا شديدًا.
ثم قال: فأراد بالمضارَّة: الاجتماع والازدحام عند النظر إليه.
وأما بالتخفيف فهو من الضير لُغة في الضُّر، والمعنى فيه كالأول.
وقال الجوهري في الصحاح (٢/ ٧٢١): وبعضهم يقول: لا تَضَارُّون بفتح التاء أي: لا تَضَامُّون.

<<  <   >  >>