للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قيل: ما كان يَمتنع أن تحملون اليد على القدرة، وإنْ أفضى إلى إبطالِ فضيلة آدم كما حملتم قوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)} [طه: ٤١]. معناه: لذاتي، وتأولتهم النَّفْس ها هنا على الذَّات، وإنْ أفضى ذلك إلى إبطال فائدة تخصيص موسى بذلك، لأنَّ جميع الأنبياء اصطنعهم لذاته، ولمَّا لم يَجُزْ تأويل اليدِ على القدرة؛ كذلك ها هنا.

جوابٌ آخر: وهو أنَّه لو استحال إضافة اليد إليه، لم يجز إضافتها إليه، وإنْ أَفْضَى إلى إبطال فضيلة آدم، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: ٢٩]. لما لم يجز حمل ذلك على الذات، حُملَ على الأمر، وإنْ أفضى إليه إسقاط تخصيص عيسى، لأنَّ غيرَ عيسى مخلوقٌ بالأَمر، فَعُلم أنَّ إضافة اليَد إليه لا للمعنى الذي ذكروه؛ وإنَّما ذلك لورود الشَّرع به، وهذا المعنى موجودٌ في غيره.

وأما قوله: "ومُوساه أحَدُّ من مُوساك" فقد قيل فيه: إنَّ هذا خَرَجَ على طريق التمثيل، لأنَّ "المُوسى" لما كان آلةً بلقطع، وكان المراد بالخبر أنَّ قَطْعَهُ أسْرَع من قطعك، عَبَّر عن القَطع بالموسى اعتبارًا بعادة العرب، وأنَّها تُسمي الشيء باسم ما يُجاوره ويُقاربه (١).

ولا بأس، بذلك لأنَّ الله تعالى يجوز فى صفته ضرب المثل، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا} [النحل: ٧٥]. وقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج: ٧٣].

وإنما لم يجب حمل الموسى على أنَّه صفة للذات كالساعد، لأنَّ الموسى آلةٌ، والآلاتُ لا تكونُ صفاتًا للذات، وليس كذلك السَّاعد، لأنَّه قد يكون مِنْ صفاتِ الذات بدليل كونه صِفَةً للذات في الشَّاهد، فإذا وَرَدَ الشرع بإضافته، لم يمتنع حمله على ظاهره، كما لم يمتنع حمل اليد والوجه على ظاهره.

* * *


(١) انظر المصدرين السابقين.

<<  <   >  >>