للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قيل: معناه ثوابُ الله يَنْزل على هذا المصلي قِبَلَ وجهه وكرامته، ومثله قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يجيء القُرْآنُ بينَ يَدَي صَاحِبِه يومَ القِيامة" (١).


= والحديث حقٍّ على ظاهره، وأنه سبحانه فوق العرش وهو قِبَلَ وجه المصلي، فإن الإنسان لو أنَّه يناجي السماء أو يناجي الشمس والقمر، لكانت السماء والشمس والقمر فوقه، وكانت أيضًا قبل وجهه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بعد أن ذكر الحديث وحديث أبي رزين المشهور، قال: "ومن المعلوم أن من توجه إلى القمر وخاطبه -إذا قدر أن يخاطبه- لا يتوجَّه إليه إلا بوجهه مع كونه فوقه، فهو مستقبلٌ له بوجهه مع كونه فوقه، ومِنَ الممتنع في الفطرة أن يستدبره ويخاطبه مع قصدِه التامِّ له، وإن كان ذلك ممكنًا، وإنما يفعل ذلك من ليس مقصوده مخاطبته، كما ليسمع هو الخطاب، فأما مع زوال المانع فإنما يتوجه إليه.
فكذلك العبد إلى قام إلى الصلاة، فإنه يستقبل ربَّه وهو فوقه، فيدعوه من تلقائه لا من يمينه ولا من شماله، ويَدعوه من العلو لا من السفل، كما إذا قُدِّر أنه يخاطب القمر.
وقد ثبت في الصحيحين أنه قال: "لينتهين أقوامٌ عن رفع أبصارهم في الصَّلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم" واتفق العلماء على أن رفَع المصلي بصره إلى السماء منهيٌّ عنه، فهذا مما جاءت به الشريعة تكميلًا للفطرة، لأنَّ الداعي السائل الذي يُؤمر بالخشوع -وهو الذُّل والسكوت- لا يناسب حاله أن ينظر إلى ناحيةِ مَنْ يدعوه ويسأله، بل يناسب حاله الإطراق وغض بصره أمامه". انظر مجموع الفتاوى (٦/ ٥٧٦ - ٥٧٨) (٥/ ١٠٧).
(١) حديث صحيح، وقد ذكره المصنف بالمعنى، أخرجه الترمذي (٥/ ٢٩١٥) وابن خزيمة كما في الترغيب (٢/ ٣٥٠) - ومن طريقة الحاكم (١/ ٥٥٢) عن عبد الصمد بن عبد الوارث أخبرنا شعبة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يجيء القرآنُ يومَ القيامة فيقول: يا ربِّ حَلَّة، فيَلْبَسُ تاجَ الكرامة، ثم يقول: يا ربِّ زِدْهُ، فيلبس حُلَّةَ الكرامة، ثم يقول: يا ربِّ إرضَ عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقْرأْ وارقَ وتَزَاد بكل آيةٍ حسنةً".
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وعبد الصمد تابعه محمد بن جعفر:
أخرجه الترمذي بعد الحديث السابق موقوفًا على أبي هريرة، وقال: وهذا أصحُّ من حديث عبد الصمد عن شعبة.
قلت: وذلك لأن عبد الصمد وإنْ كان ثقة في شعبة، لكن محمد بن جعفر المدني البصري =

<<  <   >  >>