للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

اعلم أن الكلام في هذا الخبر مَبنيٌّ على أصلِ، وهو أنَّه يجوز أنْ يُوصف الله تعالى بالنَّظَرِ الذي هو رؤية، كما يجوز وصفه بأنَّه رأي بصيرة.

وذكر ابنُ فُورك في كتاب "تأويل الأخبار" أنَّه لا يجوز وَصْفُه بأنَّه نَاظِر نَظَرًا هو رؤية، قال: "لأنَّه لا يجوز أنْ يُثبت له صفةً إلا ما وَصفَ بها نفسه، أو وصفه رسوله" (١).

ولو تأمَّل لَعَلِمَ أن هذه صِفَةٌ قد وَصَفَ بها نفسه، ووصفه بها رسوله، قال الله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩)} [الأعراف: ١٢٩]. فوصف نفسه بالنظر.

٣٤٠ - وروى أبو القسم بإسناده: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرَكُم وأَمْوالِكُم، ولكن إنَّما يَنْظُر إلى أعْمالِكُم وقُلُوبِكُم".

وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم (٢).

فأخبر أنَّه نَاظِرٌ إلى الأعمال والقلوب.


(١) "مشكل" ابن فورك بنحوه، وقال: "وقد ورد الكتاب بأنه راءٍ بصير، وأنه يرى ويبصر، ولم يردْ بأنه ينظر!! فلذلك لا يوصف بالنظر على معنى الرؤية، ويوصف بالنظر على معنى التَّعطُّفِ والرحمة!! ".
ولك أن تعجبَ من هذا التحكم الذي لا يستند إلى دليل، لا من شرع ولا عقل!! وقد أجاد المصنف في الرد عليه.
(٢) مسلم (٤/ ١٩٨٧) عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعًا به.
وأخرجه من هذا الوجه الإمام أحمد (٢/ ٢٨٥، ٥٣٩) وابن ماجه (٤١٤٣).
وأخرجه مسلم (٤/ ١٩٨٦ - ١٩٨٧) عن أسامة بن زيد أنه سمع أبا سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كُريز يقول سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره مطولًا وفيه: "إنَّ الله لا ينظُرُ إلى أجسادِكم ولا إلى صُورَكم، ولكن ينظرُ على قلوبكم" وأشار بأصابعه إلى صدره.

<<  <   >  >>