والتسلسل الواجب: ما دلَّ عليه العقل والشرع، من دوام أفعال الربِّ في الأبد، وأنه كلَّما انقضى لأهل الجنة نعيم، أحدَث لهم نعيمًا آخر لا نفاد له، وكذلك التسلسل في أفعاله سبحانه من طرف الأزل، وأنَّ كل فعل مسبوق بفعل آخر، فهذا واجب في كلامه، فإنه لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولم تحدث له صفة الكلام في وقت. وهكذا أفعاله التي هي من لوازم حياته، فإنَّ كل حي فعَّال، والفرق بين الحي والميت: الفِعْل، ولهذا قال غيرُ واحدٍ من السلف: الحيَّ: الفعال. وقال عثمان بن سعيد: كلُّ حيٍّ فعَّال، ولم يكن ربنا تعالى قط في وقتٍ من الأوقات معطَّلًا عن كماله، من الكلام والإرادة والفعل. وأما التسلسل الممكن: فالتسلسل في مفعولاته من هذا الطرف، كما تتسلسل في طرف الأبد، فإنه إذا لم يزل حيًّا قادرًا مريدًا متكلمًا - وذلك من لوازم ذاته - فالفعل ممكن له بموجب هذه الصفات له، وأن يفعل أكمل من أن لا يفعل، ولا يلزم من هذا أنه لم يزل الخلق معه، فإنه سبحانه متقدم على كلِّ فرد من مخلوقاته تقدمًا لا أول له، فلكل مخلوق أول، والخالق سبحانه لا أول له، فهو وحده الخالق، وكلُّ ما سواء مخلوقٌ كائن بعد أن لم يكن. فيقال باختصار: إن صفات الأفعال - كالاستواء والنزول والخلق والرزق والكلام. إلخ - قديمة النوع حادثة الآحاد. وانظر تفصيل هذه المسألة في: "شرح الطحاوية" لأبي أبي العز رحمهُ اللهُ (ص ١٣٢ - ١٤١)، و"درء تعارض العقل والنقل" (٢/ ١١٥ - ٢٤٤) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله، فقد أفاض في الكلام عليها، وأورد الأدلة من الكتاب ثم من السنة على أن الله تعالى لم يزل فاعلًا لما يشاء متى شاء، ثم ردَّ على المخالفين في المسألة بما لا تجده في مكان آخر. (١) ضعيف سبق تخريجه في (الجزء الأول/ ١٦٧).